هل كانت هناك فرصة حقيقية للقاء بين الرئيسين الأميركي والإيراني، وهل لا تزال قائمة، أم عادت مجرد فكرة يمكن إحياؤها في فرصة لاحقة؟ لم يبقَ أثر من أجواء التفاؤل التي أشاعها الرئيسان الفرنسي والأميركي في ختام قمة «بياريتس» للدول السبع. لكن ما حدث يستدعي وقفة للإشارة إلى أن الوساطة الفرنسية كانت اختباراً لإمكان الاختراق النفسي للأزمة على أساس حصر الخلاف بغية حصر المخارج. من ذلك مثلاً أن الجانب الأوروبي الذي تمثّله فرنسا يلتقي مع المواقف الإيرانية في نقطتين على الأقل: الحفاظ على الاتفاق النووي، وبناءً على ذلك رفض العقوبات الأميركية. في المقابل يلتقي الأوروبيون مع الولايات المتحدة على نقطتين أيضاً: ضرورة النظر في برنامج إيران الصاروخي، كذلك سياساتها الإقليمية، كاستكمال لمفاعيل الاتفاق النووي، لكن بالتفاوض ومن دون فرض عقوبات عليها.
أكثر من مصدر أفاد بأن الرئيس الفرنسي انطلق من واقع انسدادٍ في الأزمة قد يجرّ إلى مخاطر ينبغي استباقها وتجنبها، معتبراً أن سياسة الضغوط الأميركية القصوى على إيران تُبقي هذه المخاطر قائمة، وإذا كان الأوروبيون يتوافقون على شيء، فهو استبعاد أي حرب في منطقة الخليج. أما الانسداد فيراه إيمانويل ماكرون في الشروط المتبادلة بين واشنطن وطهران، إذ حالت حتى الآن دون اقتراب الاتصالات السرّية من التفاوض، ولذلك افترض أن الطرفين يحتاجان إلى جهة مسهّلة. بل يراه أيضاً في عدم تقدّم المبادرات الأوروبية، خصوصاً تفعيل الآلية الخاصة للتجارة مع إيران، فالأخيرة تجدها غير كافية إذا لم تشمل صادرات النفط، كما أن الجانب الأميركي لم يُبدِ استعداداً لتسهيل هذه الآلية.
بعد اتصالات عدة مع ماكرون راح الرئيس حسن روحاني يشيد بالموقف الأوروبي، ما جعل الرئيس الأميركي يوجه انتقاداً قاسياً لنظيره الفرنسي واتهمه بإعطاء إشارات «مضللة» للجانب الإيراني. وعندما التقى ماكرون وزير الخارجية الإيراني، عشية قمة الدول السبع، طرح فكرة لقاء تمهيدي بين الرئيسين لكسر الجمود وطلب روحاني استكشاف الأمر، وما استوجب حضور محمد جواد ظريف إلى «بياريتس» أنه جاء بجوابٍ إيجابي من رئيسه. في الأثناء كانت هناك محادثات صريحة بين ترامب وماكرون، ولم يكن صعباً أن يعطي الرئيس الأميركي أيضاً موافقته كونه بادر مرّات عدة علناً إلى دعوة روحاني إلى الحوار، لكنه أرفق ردّه الإيجابي بتحذيرات مشدّداً على أن أميركا غير معنية بـ«تعويضات» لإيران. في اليوم نفسه كان روحاني يشرح بأنه يتعيّن على إيران أن تستخدم كل الوسائل لخدمة مصالحها الوطنية «حتى لو كانت نسبة نجاح اللقاء (مع ترامب) عشرة إلى عشرين في المئة».
هكذا بقي اللقاء الثنائي عنواناً شفوياً، متفائلاً وحذراً في آن. فهو يُعقد «إذا توافرت الظروف الملائمة»، بحسب ترامب، ولم يحاول ماكرون إخفاء أن المسألة لا تزال هشّة، رغم أن الصيغة التي عرض بها الاتفاق أوحت وكأن إيران تخلّت عن شروطها المسبقة، وأهمها رفع العقوبات لتكون مفاوضات. غير أن روحاني نفسه ما لبث أن بدّد الغموض والحذر، إذ عاد إلى تكرار مطالبته بأن تخطو الولايات المتحدة الخطوة الأولى فترفع العقوبات «وعندئذ ستكون الظروف مختلفة». هذا هو الموقف الذي يحظى بتوافق بين أطراف النظام، لكن هل يعني ذلك أن روحاني جازف حين اتخذ خطوة براغماتية ثم حين اضطر للتراجع عنها؟ الأرجح أنه تحرّك في الهامش الذي يسمح بالمناورة بعدما استنتج أن الوساطة الفرنسية توصّلت إلى تحريك موقف ترامب. فحين وافق مبدئياً على اللقاء، متحمّلاً انتقادات داخلية حادة من جانب المتشدّدين، أراد دعم ماكرون وتمكينه من إحداث اختراق أكبر في جدار العقوبات، وبعدما تبين أنه لم يحصل عليه، أدرك أن المرشد علي خامنئي لن يمنحه موافقةً كاملة على اللقاء مع ترامب.
الآن وبعدما أصبحت فرنسا أكثر إدراكاً لصعوبة إقناع إيران بحوار تمهيدي غير ملزم، لا بد لها أن تواصل جهودها لكن بأفكار جديدة قد تركّز أكثر على تطوير الموقف الأوروبي لترغيب إيران بالبقاء في الاتفاق النووي. لكن طهران التي تستعد لمرحلة ثالثة من خفض التزاماتها النووية، أيقنت بأن أي لقاء شكلي مع ترامب لن يختلف عن لقاءاته مع الزعيم الكوري الشمالي. فالأخير رفض تقديم التنازلات المطلوبة أميركياً ولم يحصل على أي تخفيف للعقوبات المفروضة على بلاده منذ عقود. إيران تريد أن تتجنّب هذا السيناريو ولا يزال هدفها كسر العقوبات قبل أي تفاوض.