المذهب الشيعي الصفوي، كحركة شعبية في الواجبات، فئوية في الحقوق، وقصرية التطبيق على فئات المجتمع، وكسلطة تدّعي أنها تمثل الرب على الأرض..كل هذا يقودنا إلى القول إنه في إيران فقط يسألك رجل الشارع الإيراني عندما يعرف بأنك تأتي من دولة يشغل فيها الشيعة أقليةً تكاد لا تذكر: «هل أنت مسلم أم سُني؟»، فالمسلمون عندهم هم من يعتنقون المذهب الشيعي، وما دون ذلك فهم في عداد المرتدّين عن الدين القويم، وقد تربّت الشخصية الفارسية منذ نعومة أظفارها على قيم يغلب عليها المثالية غير الواقعية المليئة بالخيال متأثرةً بالفلكلور والقصص والخرافات، ولك أن تقرأ بعض الحكايات القصصية الشهيرة لديهم ك«خسرو وشيرين» أو «كولستان» حتى تعرف تركيبة العقلية الفارسية، وأضف لذلك تأثير 40 عاماً من الحجْر الفكري والعزلة والوهمية في عقول الملالي، بينما الشباب الإيراني المعاصر بين مطرقة قطار العولمة وسندان الملالي والحرس الثوري والشعور بالتغريب الديني، وانتقاد غير مسموع لظاهرة الاستغراق في العاطفة على حساب العقل، وكيف أن رجال الدين أصّلوا لثقافة الكراهية ضد كل مختلف.
فالشيعي الإيراني في الغالب يسكن بوجدانه وعقله في دوائر مظلومية آل البيت رضي الله عنهم، حيث تجد الشخصية الإيرانية متناقضة فترى الشخص رساماً مرهف الحس، ويستمع للموسيقى الكلاسيكية، ويتحدث عن ثورة البسطاء ضد الكهنوت، وفي الوقت نفسه لا يفوّت فرصة الاحتفال بمقتل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مراسيم تسمى (فرحة الزهراء)، كما تحجّ الناس لقبر (أبو لؤلؤة المجوسي) قاتل سيدنا عمر بن الخطاب، وتقدم النذر والقرابين للتقرّب إلى الله بزيارة قبر أبولؤلؤة، وتعد المجازر ضد الأقلية السنيّة في إيران تطبيق لمشيئة الله، ويدفع الشيعي هناك خُمس دخله السنوي لرجال الدين، وهؤلاء يعيشون في غنىً فاحش، وينشرون فتاوى شاذة كجواز هتك عرض الذكور والإناث من السنّة في سجون الولي الفقيه، وهي فتاوى موثّقة في مراجعهم الحديثة، ناهيك عن تحوّل رجال الدين لمنافسين لملوك البازار التجاري في إيران.
فيصعب في إيران التفريق بين الدين والكَهانة، ويعتبر التشيّع الفارسي الصفوي قمة هرم الغلوّ الديني، والمتمثّل في الغلوّ في الإمامة والتي تصل لدى الكثير لدرجة الألوهية، ووضع سيرة أهل البيت وسيلةّ لتعطيل القرآن وسيرة النبي وإرساء هرطقات على أساس الدم والوراثة، ولطالما حرصت الطائفة الصفوية على التفريق بين المسلمين، وهي امتداد للدولة البويهية (932-1056)، حيث يعتقد أن صناعة المذهب الشيعي كتنظيم وليس مذهب ولد في تلك الفترة، وترى لفحات تلك الحقبة اليوم في الحسينيات في القرى والأرياف خاصةّ، وهم الأكثرية البسيطة من عامة الناس، واللافت أيضاً عقلية الانتقام من أحفاد من «سلبوا» حق الخلافة الراشدة من آل البيت ومعاداة المخالفين، والخلط بين الشعائر والطقوس، ناهيك عن مشكلة عسكرة المذهب وجعله مطية لغايات قومية وحلم التاريخ الإمبراطوري واستنساخه من جديد من خلال التشيّع الصفوي، وبالتالي لا غرابة أن يردد كبار المراجع الشيعية في إيران بجواز الكذب والسرقة والغدر والغش، لتحقيق مصالح تصبّ في نصرة التشيّع، وأهمية عدم إغفال أن الحضارة الفارسية حضارة ضاربة في القدم، ولذلك أدخلوا على المذهب الشيعي الكثير من المفاهيم والطقوس والأفكار التي زجّ بها في المذهب ليكون التشيّع فارسياً قبل كل شي.
ولذلك فالبعد القومي في الشخصية الفارسية يطغى على المذهب وعدم قبول قيم البداوة وسكان الجزيرة العربية، وهناك مسميات سلبية كثيرة تطلق كنقد للعنصر العربي، وهو العدو في الأدبيات الفارسية، فالإسلام لنخبهم والتكوين الاجتماعي الطبقي لديهم دين غريب يعارض جوهر الثقافة والقيم الإيرانية الفارسية الحقة، كما نجد العنصرية واضحة في الأحاديث التي وضعها الفرس على لسان الأئمة، وما سيصنعه المهدي حينما يخرج بالعرب، وما يكتبه مفكروهم وأدباؤهم عن العرب: ولطالما سمعنا من كبار المسؤولين الإيرانيين حقيقة ما يعتقدون به ولا مجال لتغييره كحق مفقود لا بدّ أن يعود للفرس، ومن الأمثلة على ذلك إيمانهم المطلق بأن بغداد هي عاصمة الإمبراطورية الإيرانية (تصريح ورد عن علي يونسي الذي شغل سابقاً منصب وزير الاستخبارات في حكومة الرئيس محمد خاتمي)، وهي إشارةً إلى الدولة الساسانية قبل الإسلام، والتي احتلّت العراق وجعلت المدائن عاصمةً لها، وهم يؤمنون بأن جغرافية العراق وإيران غير قابلة للتجزئة، وبأن الخليج العربي وكل منطقة الشرق الأوسط أرض إيرانية لا بدّ أن تعود لأصحابها، والتصريحات العدائية ليس لها حصر في هذا الجانب من رجال الدين والسياسة.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.