لفظ (لو) لدى السياسيين يحمل معنى مختلفاً تماماً عما هو سائد لدى عامة الناس كما ثبت، فلفظ (لو) لدى الفرنسيين يستطيع أن يجعل (برج إيفل) ينفذ من ثقب إبرة. أما نحن العرب المسلمون فلفظ (لو) يفتح عمل الشيطان لذا فإننا نسقطه من قائمة المستحسن من الألفاظ. في كل الأحوال فإن لفظ (لو) غالباً ما يأتي في سياق الأماني التي تبقى أماني لا تتحقق. السياسيون يعتبرون لفظ (لو) فرصاً تاريخية ضائعة يصعب أن تعود مرة ثانية، وفي نظرة إلى التاريخ البشري القريب، نجد أن هذا اللفظ (لو) هو في الحقيقة سلسلة من الفرص الثمينة المُضاعة، مُقيّدة كأمانٍ ضد معروفين، فلو إن (ونستون تشرشل) لم يتعجّل في إلقاء خطابه الشهير عن (الستار الحديدي) الذي رآه ينزل على أوروبا الشرقية عام 1946م، لأمكن تفادي ثلوج الحرب الباردة، ولأمكن للحلفاء في الغرب وفي الشرق أن يحتفظوا بعد انتصارهم على النازية والفاشية في أوروبا، بالتعاون الحميم نفسه الذي قادهم إلى النصر في الحرب. ولو أن نظام الأمم المتحدة لم تضطرب موازينه بسبب ظروف الحرب الكورية 50-1953، لأمكن لهذا النظام أن يجنّب العالم مصائب سباق التسلح التي كلفت البشرية ما متوسطه أربعمائة مليار دولار في السنة على مدى خمسين عاماً، أي 20 ألف مليار دولار. ولو إن قادة العالم الذين اجتمعوا في نيويورك عام 1960م.. (إيزنهاور، خروشوف، ديغول، ماكميلان، نهرو، وتيتو) وجمال عبدالناصر، وعشرات غيرهم من زعماء أوروبا وآسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.. لو أنهم أمسكوا بتلك اللحظة التاريخية لاستطاعوا أن يجعلوا من عصرهم - وكان فعلاً عصر العمالقة - نقطة تحوّل في السياسة العالمية.
ولو أن الموت أمهل رئيس المخابرات السوفييتية السابق (يوري أندروبوف) مدة أطول، لسنتين أو ثلاثاً، لكنّا على موعد مع ساحة دولية أكثر حداثة وثراءً عما نراه اليوم، لكن موته بالفشل الكلوي أضاع فرصة تاريخية لا يعتقد أنها تعوّض أو تسنح مرة أخرى. هكذا هي حال الـ(لو) في السياسة بصفتها فناً لإدارة المجتمعات البشرية وعلاقاتها فيما بينها، لكن من حقنا أن نضيف: لو إن العالم الراهن خلا من العنف والقسوة والتخبط والجشع وعمل بدلاً من ذلك على ترسيخ الأمن والسلم بمعناهما الإنساني الأشمل، لكنّا أفضل حالاً وأسعد. ولو إن بعض القادة السياسيين أعملوا العقل والحكمة واستبعدوا فكرة التسلط على الشعوب بالحديد والنار، لما كنا نشهد أنظمة سياسية تفقد توازنها نتيجة لسياسات متهورة، فتهوي بسمعتها وعلاقاتها الدولية إلى الحضيض، وتدخل في نادي القيمة اللاوازنة في أيٍ من حسابات العصر، ومن الطبيعي أن تكون أنظمة سياسية كالتي أشرنا إليها، لم تعلِ مصالح الأوطان على مصالح الأشخاص، ولم تولي مواطنيها رفاهاً مستحقاً بل تهميشاً مُتقصّداً.. أن يضربها العجز والعوز.
*إعلامي وكاتب صحفي