دشنت صحيفة «نيويورك تايمز» مشروع 1619 وهو جهد كبير يتصدره فريق من الصحفيين السود لفحص تاريخ أميركا وحاضرها، عبر عيون من كانوا يعتبرون «عبيداً». والهدف هو كتابة تاريخ الولايات المتحدة بوضوح. وفي سياق الرأسمالية الحديثة وفي الاختناقات المرورية في أتلانتا وفي إفراط الأميركيين في استهلاك السكر، على سبيل المثل، يجد مؤلفو الدراسة قصصاً أصلية عن العبودية. والقصد من وراء ذلك هو إظهار مدى تلاحم نسيح البلاد مع «إرث العبودية». ومهما يكن من أمر ما يظنه المرء في هذه السلسلة من القصص- هناك عدد من المنتقدين لها وخاصة وسط المحافظين- فهي تشير إلى لحظة استثنائية تتجاوز الحزبية وتستحق الانتباه إليها، تمثل تغيراً درامياً في نقاش الأمة حول قضية العنصرية.
وقصة الغلاف في مجلة «كريستيان ساينس مونيتور» لهذا الأسبوع تفحص جانباً مختلفاً عن هذا التغير. فهناك أعداد غير مسبوقة من الأميركيين الأفارقة يتعقبون جذور أسلافهم في سلاسل العبودية، وصولاً إلى أفريقيا. وهناك صلة بين مشروع 1619 وقصة غلاف المجلة. والارتباط بينهما ليس لمجرد اتصالهما بالذكرى المئوية الرابعة لبداية جلب العبيد من أفريقيا إلى المستعمرات الأميركية. بل الصلة بينهما تتمثل في محاولة استعادة ما ضاع منا. وقراءة قصة الصحفية «كلارا جيرماني» على غلاف هذا الأسبوع، لن تترك للمرء مفراً من الشعور بعمق ما تعرض له تاريخ السود من المحو عن قصد من الوعي الأميركي. فلم يكن بوسع كثير من الأميركيين الأفارقة، قبل أن سمحت التكنولوجيات الحديثة باختبارات جينية في المنزل، تعقب جذورهم إلى ما يسبق الحرب الأهلية الأميركية. فقد كان تاريخهم حرفياً فارغاً، لا يوجد فيه إلا أهوال العبودية مثل العمل القسري والاغتصاب وتفريق شمل الأسر.
وإذا تخيلنا أن الأميركيين البيض لم يعرفوا سوى أنهم جاءوا من أوروبا، فما التنوع الثقافي الذي كان من الممكن أن نفقده، على سبيل المثال، من تقاليد الأميركيين الإيطاليين والأميركيين الأيرلنديين والأميركيين الألمان؟ والآن، ولأول مرة استطاع كثيرون من الأميركيين الأفارقة أن يعلنوا عن احتضانهم لإرثهم الثقافي ويبنوا عليه شعوراً أقوى بالهوية والماضي، وهذا ما يتمحور حوله مشروع 1619. واللافت للانتباه أن الصحفيين ذوي الأصول الأفريقية، أصبح لديهم منبر غير مسبوق ليعبروا فيه عن رؤيتهم لأميركا وتقديمها للقراء الآخرين من الأعراق الأخرى. فهل هناك غرابة في أن تختلف رؤيتهم عن الصورة التي رسمتها أميركا البيضاء؟
وصورة أميركا البيضاء لا تجب صورة أميركا السوداء. وهذا لأنه لطالما كانت أميركا، في الواقع، مجموع كل أجزائها، رغم أنه لم يُسمع إلا جانب واحد حقاً من القصة. وقصة أميركا السوداء يكتنفها الآلام وحساب النفس. لكن من يقرأ قصة كلارا، في كريستيان ساينس مونيتور، يرى بلا جدال الأمل والإيمان والأبهة فيما يتجاوز الصورة. فهناك أميركا وصورة أكثر تفصيلاً وواقعية لمسعاها الذي لا ينتهي لصياغة اتحاد أكثر كمالاً. والعنصرية نادراً ما كانت موضوعاً سهلاً. لكن أكبر هبة للعالم ربما تتمثل في عثور أميركا على الموسيقا في كل أصواتها. ولم تستوعب بعد أي أمة حقيقة أن كل الرجال والنساء يولدون سواسية. لكن الوعد مازال قائماً، وسيجري الوفاء به ليس بما تم في الماضي، بل بخيارات المستقبل.
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»