لكي تحافظ الأنظمة القمعية على سلطتها، تجد أنه عليها التخلص من جميع الأصوات المستقلة والناقدة داخل بلدانها، وغالباً ما يحدث هذا من خلال العنف. لكن عندما تهدد هذه الأنظمة بإسكات أو إيذاء الأصوات المستقلة والناقدة داخل مجتمعاتنا الحرة، فهذا يتجاوز الحد الذي لا يمكننا تحمله. لهذا فإن تهديدات وهجمات الحكومة الإيرانية على مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات «إف دي دي»، وهي مؤسسة بحثية أميركية، يعد أمراً في غاية الخطورة. ففي يوم السبت الماضي، أعلنت الخارجية الإيرانية أنها تعاقب «إف دي دي» ومديرها التنفيذي «مارك دوبوويتز»، واصفة المؤسسةَ بأنها تساهم في نشر «الإرهاب الاقتصادي أحادي الجانب وغير القانوني.. الذي فرضه الحزب الحاكم» في واشنطن. ووفقاً لطهران، فإن المؤسسة متهمة بـ«تصميم وفرض وتكثيف» العقوبات الاقتصادية لإدارة ترامب على إيران.
وقالت وزارة الخارجية الإيرانية في بيانها إنها ستعتبر «أي إجراءات قانونية إضافية قد تتخذها المؤسسات والمنظمات الإدارية أو القضائية أو الأمنية الأخرى لمواجهة أو مقاضاة أو معاقبة» مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات أو رئيسها أو المتعاونين معهم وشركائهم «إجراءات شرعية».
وتعتبر المؤسسة الفكرية والحكومة الأميركية ذلك بمثابة تهديد مباشر للأميركيين من قبل نظام له تاريخ يمتد عقوداً من الإضرار بمنتقديه في الخارج بعنف، من خلال الإرهاب وأعمال التهديد والاغتيال. وقال وزير الخارجية مايك بومبيو في تغريدة له، إن الحكومة الأميركية «لن تجعل هذه التهديدات تمر بسهولة وستعمل على محاسبة النظام الإيراني وأجهزته».
وأخبرني «دوبوويتز» أن المؤسسة تتواصل مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي يأخذ هو أيضاً هذه التهديدات على محمل الجد، بينما يقوم هو والمنظمة بتعزيز أمنهم. وقال: «إننا نقوي دفاعاتنا حتى نتمكن من مضاعفة جهودنا ضد هذا النظام البغيض. نحن لا نتراجع».
وفي لحظة نادرة من الوحدة بين الحزبين في واشنطن، قام 70 من كبار علماء الفكر من مختلف الأطياف الأيديولوجية بالتوقيع على خطاب مفتوح لدعم «إف دي دي». وقال الباحثون إن تصرفات النظام الإيراني تشكل هجوماً على جميع الخبراء الذين يتجرؤون على عدم الالتزام بالخط الرسمي للنظام القمعي. وقالت «دانييلا بليتكا»، نائبة الرئيس لدراسات السياسة الخارجية والدفاعية في معهد «أميركان انتربرايز»، الذي صاغ الخطاب: «هذا التهديد الإيراني ضد مؤسسة فكرية هو تهديد لجميع الباحثين والأكاديميين، ولهذا السبب تمكنا في غضون فترة قصيرة من جمع الناس من جميع الأطياف السياسية».
ومن بين الموقعين بعض المنتقدين البارزين لسياسة إدارة ترامب تجاه إيران، بمن فيهم نائب وزير الخارجية السابق «أنتوني بلينكين»، وزميل بارز في مركز التقدم الأميركي «بريان كاتوليس»، ومسؤول سابق بارز في مجلس الأمن القومي في عهد أوباما هو «روبرت مالي» المقرب من وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، وقد التقيا مؤخراً في نيويورك.
وجاء في الرسالة: «هذا مثال آخر على الاتجاه المقلق الذي تحاول من خلاله بعض الحكومات خنق وترهيب الباحثين المستقلين. إن زملاءنا مستهدفون من قبل دول عديدة بطرق مختلفة، من المضايقات إلى الحرمان من الدخول إلى الطرد والسجن. ويجب أن تفهم القيادة في طهران أن هذه التصرفات لها تأثير في تشويه سمعتها».
ويشير الخطاب إلى أن مختلف العلماء الذين وقّعوا يختلفون حول سياسة إيران، ولا يقرّون فكرياً بعض ما تقوم به «إف دي دي». ثم قال: «ومع ذلك، ففي هذه المسألة، نحن نقف جميعاً لإدانة محاولات تخويف منظمة غير حكومية وموظفيها».
ويذكر أن إدارة ترامب فرضت عقوبات على ظريف الشهر الماضي، في إطار حملة متصاعدة لممارسة «أقصى ضغط». ويعتقد البعض في واشنطن أنه على ضوء هذه التهديدات ضد «إف دي دي»، يجب أن يتم تجنب ظريف عندما يزور نيويورك في الشهر القادم لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقالت «سوزان مالوني»، زميلة بارزة في معهد بروكينجز، في تغريدة لها على تويتر، إنه بالنظر إلى ممارسات إيران المتزايدة فيما يتعلق باحتجاز الأجانب بتهم وهمية، بمن فيهم العديد من الأكاديميين، «يجب على جميع المنظمات الأكاديمية والبحثية أن تعيد تقييم انخراطها بجدية» مع المؤسسات الحكومية الإيرانية.
وحتى الآن، لم تدرك الحكومة الإيرانية الرسالة. فقد أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية «عباس موسوي» أن طهران ستفرض كذلك عقوبات جديدة ضد مجموعة من الأشخاص من دول عديدة، لأن لهم علاقة بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات.
وأضاف في بيان: «إن إيران لا تعتبر هذه المؤسسة مركز أبحاث، لكنها منظمة تعمل تحت ستار مركز أبحاث. هذه المؤسسة في الواقع هي ذراع التصميم والتنفيذ للإدارة الأميركية، والولايات المتحدة تنفذ معظم إجراءاتها العدائية ضد الدولة الإيرانية بناء على تصميمات هذه المؤسسة».
بيد أنه لا يمكن السماح بمحاولات إيران لتصدير قمعها لبيئتنا البحثية الحرة، وإلا فإن الأنظمة القمعية في أماكن أخرى ستعتقد أنها تستطيع تخويف الأميركيين في صمت، كما تفعل مع شعوبها.

*كاتب متخصص في شؤون السياسة الخارجية والأمن القومي.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»