سافرت الأسبوع الماضي إلى مدينة دالاس الأميركية للتحدث أمام «مهرجان عرب تكساس». وكانت فاعلية جديرة بالاهتمام، ألهمتني مجدداً، وجعلتني أشعر بالفخر تجاه ما أحرزناه من تقدم.
وبينما وقفت على المنصة أمام 10 آلاف شخص حضروا الفاعلية، تجدد أملي من أجل مستقبل أفضل للمجتمع الأميركي من أصول عربية، لاسيما وأن تركيبة الحشد كانت شديدة التنوع. فحضر كبار السنّ والشباب والنساء بالعبايات التقليدية أو سراويل الجينز والقمصان، والحشود من أكثر من 12 دولة عربية، وعلمنا ذلك من الدعوات لسماع صيحات الحضور من كل دولة عربية.. «دعونا نسمع صيحة اللبنانيين»، و«الفلسطينيين» و«السوريين» و«المصريين» و«التونسيين» وهكذا..
وحضر البعض لتذوق أطباق كثير من المطاعم العربية المحلية، التي شاركت طوال الفاعلية على مدار يوم كامل. وجاء البعض ليغني ويرقص الدبكة، أو للجلوس في الخيمة. وشارك البعض لشراء أو بيع المشغولات اليدوية من دولهم الأم. غير أن الجميع حضروا للاحتفاء بفخر بتراثهم المشترك. وهكذا تحدثت أنا والمتحدثون الآخرون عن اهتماماتنا السياسية المشتركة، كأميركيين من أصول عربية، وكيف يمكننا التعامل معها بالطريقة المثلى.
وذكّرني تنوّع الحشد وحماسه والتزامه بما حدث قبل 40 عاماً عندما كنت أجوب أنحاء الولايات المتحدة، في بعض الأحيان مع السيناتور السابق جيمس أبورزق، وأحياناً بمفردي، لتنظيم الأميركيين من أصول عربية.. كانت تلك الأيام مفعمة بالإثارة، حيث كنّا نسعى لتأسيس لجنة مكافحة التمييز ضد الأميركيين من أصول عربية، وهي مظلة غير طائفية ركّزت على توحيد مجتمعنا، والارتقاء بتراثنا العربي بكل فخر، ومكافحة التمييز والتشويه.
وكانت الاستجابة التي تلقيناها مذهلة، فواظب الأميركيون العرب على حضور اجتماعاتنا وانضموا إلى منظمتنا. وكانوا قد سئموا التعرض للتشويه والمضايقة بسبب الحملات الإعلامية السلبية، وغضبوا من إقصائهم من الدوائر السياسية بسبب تجرؤهم على المطالبة بالعدالة من أجل الفلسطينيين. ومثّلوا جيلاً جديداً من الشباب الأميركيين العرب الذين تخلصوا من انقسامات أثقلت كاهل الأجيال السابقة. وبالنسبة لهم، لم يكن مهماً ما إذا كان شخصاً ما من أصل سوري أو لبناني أو فلسطيني، أو ما إذا كان مسيحياً أو مسلماً، أو حتى اتجاهاته السياسية، وإنما كانوا أميركيين من أصول عربية، من دون اختلافات، وسعوا إلى قاسم مشترك لبناء مجتمع قوي يمكنه استعادة الفخر بالتراث الذي شيطنته أفلام هوليوود، ويُدافع عن القضايا العادلة التي جعلها البعض من المحرمات.
وقد بنينا على ذلك الزخم في حملتي ترشح «جيسي جاكسون» للرئاسة في 1984 و1988، وكانت الحملة الرئاسية الوحيدة التي قبلت الاعتراف بنا وتمكيننا والتعبير عن مخاوفنا. وعندما أسسنا المعهد العربي الأميركي، كان هدفنا المضي قدماً من خلال زيادة تسجيل ناخبينا، وتمكين مجتمعاتنا على المستوى المحلي، وإتاحة الفرصة أمام الشباب في الخدمة العامة، وانتخاب مزيد من الأميركيين ذوي الأصول العربية على المستويات كافة، والتعبير عن آرائنا في قضايانا المطروحة في واشنطن.
وإذا نظرنا إلى الماضي، فأعتقد أن بوسع جميع الأميركيين العرب الشعور بالفخر إزاء ما حققه مجتمعنا، والتقدم الذي أحرزناه. وعندما سُئلت عما أعتقد أنه أكبر إنجازاتنا أثناء العقود الأربعة الماضية، أجبت بأن هناك أمرين يجعلانني أشعر بالفخر، هما حقيقة أننا ساعدنا في تكوين مجتمع فخور بتراثه وقادر على تشجيع وإتاحة الفرص أمام الأميركيين العرب لخدمة مجتمعهم وأن يشاركوا في المناصب المنتخبة والوظائف الحكومية ولعب أدوار بارزة في المنظمات غير الحكومية التي تعمل على تعزيز الحقوق الأساسية.
وفي بعض الأحيان، يحير ما أحرزناه من تقدم في مجتمعنا الزائرين من العالم العربي، حيث يتحدثون عن أشخاص من أصول عربية يتفاعلون سوياً بغض النظر عن الخلافات بين الدول التي انحدروا منها أو الانقسامات الطائفية. وذات مرة، استقبلت سفيراً عربياً جاء لزيارة مكتبي. وبعد أن قمنا بجولة، وعرفته إلى بعض أفراد فريق عملي، سألني: «كيف تنظم مكتبك؟». فأخبرته بأننا ننظمه بتوزيع المهام، فلدينا وحدة لتنظيم المجتمع، ووحدة للعلاقات الحكومية وأخرى للأبحاث. لكن قبل أن أنهي كلامي، قاطعني قائلاً: ما أقصده هو كيف تنظم فريق عملك، فعلى سبيل المثال الشاب الموجود في الاستقبال: هل هو من لبنان؟ وهل هو سنّي أم شيعي؟ فأخبرته بأنني لا أعرف حقيقة، ولم أكن قد سألت رامي عن دينه أو حتى البلد التي جاء منه والداه. ولم يكن ذلك مذكوراً في طلب الوظيفة، وعلى أية حال لم يكن لأي من ذلك أهمية على الإطلاق.
تتجلّى الوحدة بين أفراد المجتمع الأميركي العربي في مناسبات شتى، وتلك الوحدة ربما لم تحدث في العالم العربي، لكننا جعلناها هنا في أميركا شيئاً مألوفاً.
هذا هو ما أنجزناه، لكن لا يمكننا الاعتماد على أمجادنا، لأننا نعيش في وقت تعمل فيه قوى طاردة قوية تهدد مكاسب جنيناها بشق الأنفس. وما يضعف هذه الوحدة تفتيت هويتنا من جراء ما يسمى «الربيع العربي» وتسييس هويتنا الدينية.
وبالنسبة لمن عاصر منّا الحرب الأهلية الطويلة في لبنان، لا تعتبر التحديات الراهنة جديدة على الإطلاق. غير أننا تعلمنا مدى أهمية التخلص من أثقال الماضي، وتجاوز خلافاتنا، والعمل من أجل بناء مجتمع له هوية واهتمامات مشتركة. وقد نجحنا.
ومن هذا المنطلق، كان مهرجان دالاس بالغ الأهمية. فوحدة مجموعات شديدة التنوع تشكل مجتمعنا، والفرحة التي أظهروها في الاحتفاء بثقافتنا المشتركة، والتزامهم بالتعبير عن اهتماماتنا السياسية، كانت رسالة تذكير بأن ما يجمعنا أقوى مما يهدد بتفريقنا.
ورسالتي إلى المجتمع الأميركي العربي في دالاس: أنتم مصدر فخر لنا وألهمتمونا من أجل المضي قدماً.
*رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن