لست طائفياً ولا أنطلق في هذا التحليل من أية رؤية طائفية، بل أؤمن أن الأوطان لا تصح أجسادها إلا بالتخلص من الرؤية الضيقة التي تحرم المواطن من بعض حقوقه لمجرد أنه ينتمي لهذه الطائفة أو تلك، ومع ذلك، أجد أن في «الاحتفال» بمقتل الحسين في كل عام ما يستحق الدراسة والتعليق. قبل أن تقوم ثورة الخميني ونظامها السياسي في 1 أبريل 1979، كانت العلاقة بين السنة والشيعة علاقة طبيعية جداً، وفي العراق كان الزواج يحصل بين الطائفتين أكثر من أي مكان في العالم، لكن ما إن جاء الخميني بدستوره الذي بثه في كتابه «الحكومة الإسلامية» حتى تغير الحال، وبدأت الكراهية الطائفية تظهر بين الطرفين. لقد حوّل الملالي التشيع المذهبي إلى تشيع سياسي، تشيع لا يهتم بحياة السنّة ولا حياة الشيعة بقدر ما يهتم باستغلال ورقة التشيع لبث الفرقة والنزاع بين أبناء الوطن الواحد، من أجل الهيمنة على العالم الإسلامي عموماً. وكل مهتم بالتاريخ يعرف قصة الحسين بن علي بن أبي طالب حين بويع أخوه الحسن بالخلافة واستمر خليفةً للمسلمين نحو ثمانية أشهر، ثم تنازل عنها لصالح معاوية بن أبي سفيان بعد أن صالحه على عدد من الشروط، وانتقل الحسن والحسين بعدها من الكوفة إلى المدينة المنورة. وبعد وفاة الحسن، استمر الحسين في الحفاظ على المعاهدة التي كانت بين أخيه ومعاوية خلال فترة حكم الأخير. لكنه بعد موت معاوية رفض بيعة يزيد بن معاوية الذي لم يكن يملك عشر معشار ما عند أبيه معاوية من صفات عظيمة كالحلم والأناة والحكمة. خرج الحسين إلى مكة وأقام فيها لبضعة أشهر، فأرسل إليه أنصاره بالكوفة رسائل تؤكد الرغبة في حضوره ومبايعته ووعدوه بالنصر والتأييد، كما فعل الأنصار مع جده عليه الصلاة والسلام. قام الحسين بإرسال ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب وأمره أن يجس أمر أهل الكوفة وأن يستجلي حقيقة أمرهم. لم يطل هذا كثيراً، لأن والي الكوفة الجديد عبيد الله بن زياد استطاع الإيقاع بمسلم وقتله، فتفرق عنه أنصار الحسين وخذلوه. خرج الحسين إلى الكوفة، وفي الطريق وصله خبر مقتل مسلم وخذلان أهل الكوفة، لكن الحسين بقي له بعض الأنصار، وتوجّه إليه الحر بن يزيد الرياحي ومعه ألف فارس بغرض ملازمته حتى يصل إلى الكوفة، فلما وصل إلى كربلاء لقي جيش عمر بن سعد بن أبي وقاص التابع للأمويين، وكان به أربعة آلاف مقاتل، فعرض عمر على الحسين النزول على حكم ابن زياد، لكن المفاوضات فشلت ودارت معركة كربلاء وقُتل في المعركة 72 رجلاً من أصحاب الحسين و88 رجلاً من جيش عمر، وهكذا حدثت مأساة الحسين الذي قُتل في ذلك اليوم، العاشر من محرم سنة 61 للهجرة، أي في يوم عاشوراء الذي يجري الاحتفال به في كل عام.
إنها قصة تاريخية حصل مثلها كثيراً، لكن خطاب الخميني الساعي نحو تصدير الثورة قرر أن يحتفل بهذه القصة بطريقة تختلف عن احتفاء الشيعة بها على مر العصور، فملالي إيران يريدون للحسين أن يكون رمزاً خالداً للثورة والحرب الأهلية. لقد كانوا بحاجة إلى رمز يقتدي به الشباب، الشباب الذين يُراد لهم أن يكونوا وقوداً لحروب الخميني وهم يعتقدون أنهم يسيرون على خطى الحسين ويقتبسون منه، ولو توقفوا قليلاً لرأوا أن الشيعة ليسوا أبناء الحسين كما أن السنّة ليسوا أبناء يزيد، إنما نحن بشر نريد أن نعيش في سلام، ولن نحظى بالسلام ما دام فينا من يُعير أذناً لدعاة الثورات والحروب الأهلية.
*كاتب سعودي