من غير العادل، بل والمجحف في حق المجتمعات التي تقدم الغالي والنفيس في سبيل رفعتها ونهوضها، أن تُستغل طاقاتها، وتُوجه أفكارها خدمةً لمصالح مبطنة، من قبل الجماعات «الإسلاموية» أو غيرها، بينما هي تسعى لتكون من مصافّ الدول عالمياً في ازدهارها. إن الاستمرار بتقديم الصورة الملائكية لمجتمع «جماعة الإخوان»، وإطلاق الأحكام على الناس وفق النظام الموضوع من قبل اللائحة الدولية للتنظيم عبر أدبيات «التربية» الأسبوعية، من «جند الله»، و«فقه السنة»، و«رسائل الإمام»، وغيرها من المراجع «المقدسة» لم تعد تنطلي على الناس.
وبعيداً عن كل ما قد يحيد بالنص عن دوره في الإشارة إلى المفيد فقط، نجد ذلك في قضية طارق رمضان حفيد حسن البنا مؤسس جماعة «الإخوان المسلمين» -مثلاً- الذي نجح في إلصاق هالته الأسطورية في أذهان جيل الشباب المسلم الأوروبي، ليسقط تلك الهالة ما وجده أفراد المجتمعات من تخبط في أساسات المنظومة الفكرية والأخلاقية، وتكثيف لحالة الضبابية التي كانوا يعتقدون بأن التخلص منها سيكون بالرجوع لنماذج مثل المحاضر في أعرق الجامعات «أكسفورد» و«فرايبورغ» الأستاذ الجامعي، والمتخصص في الفكر الإسلامي، وصاحب الحضور الإعلامي لدى الشباب المسلم الأوروبي «طارق رمضان»، والذي كان قد قُدمت بحقه شكوى أنكرها بتهمة الاغتصاب، قبل ثلاث سنوات، ليعود قبل أيام باعترافه بالقيام بها، لكن «وديّاً»! و«بالتراضي»!
ولا يكمن الخطأ في الوقوع بالخطأ ذاته، فمن منا لا يخطئ؟ ولا أقصد تتبع عثرات الغير، فلكل منا عثرات، ولكن المشكلة تقع بتعنت «وجهاء الإسلاموية» الشديد وحرصهم على تصدير أنفسهم كنموذج لقيادة الأجيال، والانتقال بهم من ظلمة «الجاهلية»، و«العبثية»، إلى سبيل الصلاح والاستقامة، وهذا لا يهدم الجزء المنيع من البنية الفكرية التي كابد الشباب لبنائها فحسب، بل يجعل لديهم حالة من عدم الثقة، قد تتعدى للخلط بين الغث والسمين، ويفتح مجالاً واسعاً لاستغلالهم فكرياً وتطويعهم لتحقيق مصالح أصبحت معروفة لدى الجميع، والتي وجدت أعلامها الكثير من الشهرة وبات التشبث ومحاولة إحيائها واضحاً.
والقضية لا تقف فقط عند رمضان، إذ يتخذ «الإسلامويون» كافةً، من تطويع الظروف منهجاً لهم، سواء أكان نصاً شرعياً، أو تصريحاً بشرياً، لينتهي مؤخراً بالتلاعب بعصب حياة الدول، فيأتي خليفة يوسف القرضاوي في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور أحمد الريسوني مصرحاً: «لا أمن مع الأمن»، في أسلوب لا يكاد يُبين إلا عن تحريض صريح لأبناء المغرب، ضد الجهاز الأمني، وكأنه لا بأس لديه في ضرب القوانين المغربية الحاكمة، في السلوكيات والنظم الاجتماعية، عرض الحائط، بغية الدفاع عن قضية ابنة أخيه «هاجر الريسوني» المعتقلة مؤخراً بتهمة الإجهاض المثبتة وفق التقارير الطبية والمكاشفة العينية، على حسب تعبير النيابة!
وفي السياق نفسه، يحضر الذاكرة إصرار قيادي «حركة التوحيد والإصلاح»، على شرعية العلاقة بين الدكتور والشيخ مولاي عمر بنحماد، وفاطمة النجار، خارج إطار القانون المغربي، مما يدفعنا للتساؤل الجاد حول الأسلوب المنتهج من قبل جماعة «الإخوان المسلمين».
فلماذا يضع «الإخوان» مصفوفات الخطب الوعظية والإرشادية وصورهم كمثاليين قادمين من عصر الصحابة، حين يوضعون في خندق الضعف والتشكيك، وفي الوقت ذاته وعندما تكشف للعيان كبوات أعمدتهم التي ينافي فعلها القول، نراهم يتقافزون على عتبات ضرورة تجاوز «فقه الموروث»، وتأصيل لـ«فقه الواقع»، و«فقه الأولويات»، لتحرير الناس وعقولهم، وعدم كفاءة النظم الحاكمة. ونهايةً، أؤكد على أن أياً منا قد يوضع في خانة الخطأ، فلا عصمة لنا من ذلك، ولكن من حق الناس وبلا شك مساءلة كل من يتصدر المشهد السياسي، أو يمثل عن المجتمعات، ويرشح نفسه ممثلاً ولساناً عنهم، وفي الوقت ذاته، نعترف بأننا ربما قد نختلف في جزئيات بعض القوانين، التي وضعت ليبنى عليها وتطور لتتواءم والمصلحة الوطنية، ولكننا من واجبنا احترام تلك القوانين، فلا قداسة إلا للمقدس، ولا أحد فوق القانون!