في السنوات الست الماضية، كانت الهند تزداد قرباً من الولايات المتحدة. ومع ذلك، كانت في الوقت نفسه تضمن استمرار العلاقات مع حلفائها القدامى. في الأسبوع الماضي، زار رئيس وزراء الهند «ناريندرا مودي» روسيا. وكان الهدف الرئيسي من الزيارة تنشيط العلاقات الاقتصادية التي كانت قد تراجعت بين البلدين، اللتين كانتا حليفين وثيقين خلال الحرب الباردة.
ومن المؤكد أن زيارة «مودي» وضعت الأساس لبناء العلاقات الاقتصادية، في محاولة لتوسيع النطاق، الذي كان متوقفاً فقط، في السنوات الأخيرة، على التعاون الدفاعي وفي مجال النفط والغاز. وقدمت الهند لروسيا خطاً ائتمانيا بقيمة مليار دولار لتطوير منطقة الشرق الأقصى. وتم توقيع اتفاقية للتصنيع المشترك لقطع الغيار الدفاعية في الهند، جنبا إلى جنب مع ما يقرب من عشر اتفاقيات أخرى. وتنطوي الصفقة على نقل التكنولوجيا وإقامة المشروعات المشتركة في إطار برنامج «صنع في الهند»، الذي يهدف إلى تعزيز قطاع التصنيع في الهند.
وقد تم الإعلان عن تقديم خط الائتمان خلال المنتدى الاقتصادي الشرقي الخامس في الشرق الأقصى في روسيا. وأضاف خط الائتمان هذا بعدا جديدا للدبلوماسية الاقتصادية للهند. كما اتفق الجانبان على تسريع المفاوضات التي تتعلق «باتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المشتركة» من أجل تشجيع مشاركة الشركات الروسية في التصنيع الهندي وتشجيع الشركات الهندية على الاستثمار في روسيا. يذكر أن روسيا والهند تربطهما علاقات تقليدية تعود إلى أيام الحرب الباردة. ولسنوات، كانت الهند تعتمد على روسيا في الحصول على إمداداتها العسكرية وفي التعاون النووي المدني وسط العقوبات التي فرضها الغرب. ولكن في السنوات الأخيرة، قامت الهند بتنويع مشترياتها من العتاد العسكري من الولايات المتحدة وإسرائيل، ودخلت أيضاً في تعاون نووي مدني مع عشرات الدول الأخرى.
خلال السنوات العشر الأخيرة، أصبحت الهند أكثر قرباً من الولايات المتحدة، بينما اقتربت روسيا من الصين وبدأت أيضاً تعاوناً دفاعياً مع باكستان شمل توريد طائرات الهليكوبتر. كان هناك وقت وعدت فيه روسيا الهند بأنها لن يكون لديها أي علاقات دفاعية مع باكستان. ولكن مع تغير النظام العالمي وإعادة تنظيم المصالح، بدأت روسيا أيضاً في توسيع علاقاتها مع باكستان، بيد أن هذا الانجراف في العلاقات بين الهند وروسيا قد توقف في أعقاب قمة غير رسمية بين القيادة العليا للبلدين وقرار الحكومة الهندية بالحصول على صواريخ «إس-400 تيرومف»، على الرغم من أن هذه الصفقة تهدد بجلب عقوبات أميركية. وتأمل الهند في الحصول على استثناء من الولايات المتحدة بشأن صفقة الصواريخ هذه. وكانت الهند قد وقعت اتفاقا بقيمة 5.43 مليار دولار لشراء خمسة أنظمة صواريخ «إس-400» خلال القمة الثنائية السنوية التاسعة عشر بين الهند وروسيا والتي عقدت في نيودلهي في أكتوبر من العام الماضي.
الجهود التي تبذلها الهند للحفاظ على علاقتها مع روسيا، على الرغم من قربها من الولايات المتحدة، تثبت أن الهند حريصة على الإبقاء على العلاقة التي اختبرتها على مر الزمن مع دول أخرى. لكن الدولتان لديهما الكثير من المجالات لتغطيتها. فمعدل التجارة بين الهند وروسيا لا يزال ضعيفاً مقارنة بالروابط التجارية بين الهند مع أميركا أو الصين. فقد بلغ حجم التجارة بين الهند والولايات المتحدة 142.1 مليار دولار في عام 2018، بينما بلغ 11 مليار دولار فقط مع روسيا. كما بلغ حجم التبادل التجاري بين الهند والصين في ذات الفترة 95.54 مليار دولار.
ويبدو أن الوقت قد حان لكلا البلدين للنظر في تنويع علاقتهما من خلال الروابط الاقتصادية. وهناك إرادة سياسية بين البلدين وهناك بالتأكيد اهتمام أكبر بدفع العلاقات من وجهة النظر الروسية.
روسيا تواجه عقوبات من الغرب ومن الاتحاد الأوروبي، لذا فهي تتطلع إلى أسواق أخرى. وقد أظهرت الهند حتى الآن أنه على الرغم من قربها من الولايات المتحدة، فإنها ستحاول الحفاظ على روابطها السابقة مع روسيا. ومن الواضح أن هناك إمكانات في العلاقة بين الهند وروسيا.
حتى الآن، فإن كانت جميع الصفقات والمعالم الرئيسية في العلاقات الروسية – الهندية مدفوعة بحكومتي البلدين. ولكن من أجل ازدهار الروابط الاقتصادية العميقة بين البلدين، ينبغي على القطاعات الاقتصادية في البلدين المشاركة مع بعضها البعض. ومن الواضح أن هناك إمكانية لزيادة هذه الروابط. وعلى سبيل المثال، فإن اقتراح تصنيع السلع العسكرية في الهند لديه القدرة على بدء العلاقة الاقتصادية وخلق فرص عمل في الصناعات الثانوية. وعلاوة على ذلك، هناك أيضا اتفاقا سابقا لتصنيع بنادق AK- 47 في الهند، ما سيساعد أيضاً على زيادة الروابط الاقتصادية إلى جانب العلاقات الدفاعية.
ليس ثمة شك في أن الإرادة السياسية التي أبدتها قيادة البلدين ستساعد على تغيير العلاقة من علاقة مشترٍ وبائع إلى علاقة أكثر تعاونا. وخلاف ذلك، فإنها علاقة حيث تكون الهند مشترٍ لمعدات الدفاع بشكل أساسي وروسيا هي البائع. وفي ظل نظام عالمي متغير، فإن الهند بحاجة بالتأكيد إلى تنمية والحفاظ على العلاقات مع كل الحلفاء القدامي والأصدقاء الجدد.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي