يُعد نموذج ابن هشام، وابن اسحق في كتابة السيرة، هو النموذج الذي يقوم على توخي الدقة التاريخية في كتابة السيرة الذي بدأ في القرن الثالث الهجري وعاد في الحركة الوهابية في القرن الثالث عشر الهجري حتى يمحو كل أثر للخيال التي تراكمت عبر قرن من الزمان في تاريخ السيرة. واستمرت السير الوهابية في الحركة السلفية مثل «القبس الوضاء» للنجار، «نور اليقين» للخضري، «السيرة النبوية» للذروي. وأخيرا «صحيح السيرة النبوية» للعلي وهو يخشى أي خيال في التاريخ.
وقد كتبت السيرة دون منهج نقدي كما دوّن علم الحديث، باستثناء محاولات قليلة مثل البخاري نفسه. فالسُنة جزء من حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. وحياة الرسول تكشف عنها سننه في أقواله. كما جمع الحافظ بن سعد بين سنن الرسول وأيامه أي سيرته زمانيا، يوما بعد يوم. كما استخرج المقريظي سيرة الرسول من سننه، وسننه من سيرته.
وأحياناً تتقلص السيرة النبوية عند القدماء في المغازي، أي غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، ويمكن معرفة زمانها ومكانها وترتيبها بأكبر قدر من اليقين. فهناك كتاب للمغازي بمفردها كجزء مستقل من السيرة. وهذا النوع ربما أكثر إشارة إلى شجاعة الرسول وبراءته من الخطر. وقد تطول المغازي وقد تختصر. إذا طالت فإن تفصيلاتها تكون أيضاً عرضة للخيال. وتتضمن المغازي فنون الحرب وهذه أيضاً تسمح ببيان عبقرية الرسول، كما أن غزوة الخندق وما تضمنته من خطط كانت من اقتراح أحد الصحابة. الغزوات منارة للأجيال القادمة في الفتوحات، وشتان بين المغازي ذوات الأعداد المحدودة وحرب الجبهات الطويلة.
وبالرغم من الإجابة على سؤال التاريخ فقد حاول بعض القدماء التدقيق، ومع ذلك تدخل الخيال من أول لحظة في «تاريخ آل البيت للأئمة الأربعة»، فكيف يكتب الأئمة الأربعة تاريخاً لآل البيت ولم يعيشوا في زمان واحد؟ ولماذا آل البيت كلهم وليس فقط سيرة الرسول؟ فواضح بداية الصراع بين السنة والشيعة.
ويلحق بالسيرة تاريخ الخلفاء. فكلاهما تاريخ. وكتبَ السيرة المؤرخون مثل ابن كثير لأن الموضوع تاريخي. ويدرك الألباني أن في السيرة كما في الحديث صحيح وموضوع فيكتب «صحيح السيرة النبوية». وتركز إحدى السير على المعجزات مثل «السيرة النبوية والمعجزات» وكأن المعجزات هي قلب السيرة، ويظهر ذلك في الأدعية النبوية التي تُقال حتى الآن «أغثنا يا رسول الله»، «أعنا يا رسول الله»، «حبيبي يا رسول الله». ورفعت «البيارق» ودقت له الدفوف واقترنت بالمناسبات، مولد النبي، السنة الهجرية، ليلة نزول القرآن، ليلة القدر، وانتظارها لعل الله يفرج فيها كرب المسلمين. وتم تشخيص الرسالة في الرسول فيما يعرف باسم الشمائل والخصائص الجسدية والنفسية. وقد شجع على ذلك التصوف والطرق الصوفية، وتسميته الحبيب. فهو الذي يزيح سلوة الكئيب، وللمحبين روضة هي التي أصبحت طريقاً صوفياً. ويُعبر عن السيرة شعراً في المدائح النبوية وغنائها. وهناك خير كثير في الصلاة على البشير، والصلاة والسلام تشفي السقام. وتقريباً تُحدث المعجزات.
*أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة