بغض النظر عمن سيفوز، إنْ كان هناك فائز، فلن يحدث أي تغيير في الواقع الذي يعاني منه الفلسطينيون، فلن تكون هناك نهاية للاحتلال ولا حل للدولتين.


قبل الإدلاء بصوت واحد في ثاني انتخابات وطنية إسرائيلية خلال العام الجاري، هناك حقيقتان مزعجتان وواضحتان: الأولى أن النتيجة ستظل مشوشة كما كانت بعد منافسات أبريل الماضي، وأيّاً كان الفائز، على رغم من حالة الإنكار الدائمة من قبل الليبراليين الغربيين، فإن إسرائيل/فلسطين أضحت دولة واحدة.. هي دولة فصل عنصري.
وعقب انتخابات أبريل، عندما عجز رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن تشكيل ائتلاف حاكم مكون 61 عضواً في الكنسيت، دعا إلى إجراء انتخابات جديدة، أملاً في تحسين نتائجه. وأثناء الشهور الخمسة السابقة، تجاوز كل الحدود، فقصف ثلاث دول عربية هي العراق وسوريا ولبنان. وأعلن أنه إذا فاز في الانتخابات الجديدة، فإنه سيضم غور الأردن إضافةً على المستوطنات والتحصينات المنتشرة في أرجاء الضفة الغربية. وسرّع وتيرة تحريضه ضد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، مشيراً إلى أنهم «عرب يحاولون سرقة الانتخابات».
وفي منشور تحريضي، آخر على موقع «فيسبوك»، زعم قائلاً: «إن العرب يريدون إبادتنا.. نساء وأطفالاً ورجالاً». (وفي حين أنكر نتنياهو مسؤوليته الشخصية عن المنشور، إلا أن كثيراً من المعلقين رفضوا هذا الإنكار). وأجبر رئيس الوزراء الإسرائيلي أعضاء في حزبه على التعهد بتأييد حصانته من المقاضاة، بسبب كثير من اتهامات الفساد التي يواجهها في الوقت الراهن.
وعلى رغم من كل ذلك، تشي استطلاعات الرأي بأن نتنياهو وشركاء في ائتلافه لن يحصلوا على أفضل مما حصلوا عليه في انتخابات أبريل. وفي الحقيقة، يبدو أنه لا ائتلاف نتنياهو ولا المعارضة الرئيسة لحكمه المستمر تمكنا من تعزيز معدلات تأييدهما. والنمو الكبير الوحيد بين القوميين العلمانيين من جناح اليمين، والمتدينين المتطرفين. وفي حين أن نتنياهو ربما يرغب في جمعهم ضمن حكومته، لأن ذلك يمنحه أغلبية كبيرة، لكن بالنظر إلى أن القوميين العلمانيين يعارضون أيديولوجياً المتدينين المتطرفين، فإنهم لن ينضموا إلى أية حكومة تشملهم.
وفي الوقت ذاته، ربما يتشبث بعض أحزاب المعارضة بالانضمام إلى حكومة مع حزب الليكود بزعامة نتنياهو، لكن عليه أن يدفع ثمناً باهظاً هو أن يتخلى عن منصبه كزعيم للائتلاف. ولأنه يستميت من أجل البقاء في السلطة لتفادي المقاضاة والإذلال، فمن المستبعد أن يقبل ذلك. ولهذا السبب بالتحديد أصر على أن يتعهد أعضاء حزبه بالولاء له قبل الانتخابات.
وتُظهر استطلاعات الرأي قبل الانتخابات أن ائتلاف المعارضة الرئيس، «أبيض وأزرق»، سيواجه صعوبة في حصد 61 مقعداً في الكنسيت. ونتيجة لذلك، نعود إلى ما بدأنا به وهو أن الانتخابات لن تتمخض سوى عن ارتباكات وأحقاد.
ومن الواضح أيضاً، أنه بغض النظر عمن سيفوز، إن كان هناك فائز، فلن يحدث أي تغيير في الواقع الذي يعاني منه الفلسطينيون، فلن تكون هناك نهاية للاحتلال ولا حل للدولتين. فقد جنحت السياسة الإسرائيلية صوب اليمين، ولذا، من الصعب تصور كيف لا تزال وسائل الإعلام الأميركية تشير إلى معارضة نتنياهو بائتلاف «يسار الوسط». وأيّاً كان ما يعنيه جناح «اليسار» في هذه الصيغة، فهو بالتأكيد لا يعني أي شيء له علاقة بالفلسطينيين أو السلام أو حقوق الإنسان.
ومثل نتنياهو، يُصرّ ائتلاف «أزرق وأبيض» على أن ضمّ القدس والأراضي الفلسطينية الأخرى حول المدنية سيبقى كما هو. وأكد تأييد أعضائه لفرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن والمستوطنات في الضفة الغربية. وربما أن المجال الوحيد الذي يختلفون فيه عن نتنياهو هو اتهامهم له بأنه متساهل مع حركة «حماس» في قطاع غزة. ودعا زعيم ائتلاف «أزرق وأبيض» إلى القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق لإنهاء حكم الحركة في القطاع. ورفض أيضاً الائتلاف مطالبات المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل بإلغاء قانون «الدولة القومية اليهودية» سيء السمعة، والذي يصر على أن لليهود وحدهم حق تقرير المصير القومي في «أرض إسرائيل» وينكر جميع حقوق المواطنين العرب في الدولة الإسرائيلية.
وفي ضوء هذا الوضع، فإن الأمل الذي تشبث به الليبراليون سابقاً بأن إسرائيل بعد انتهاء عصر نتنياهو ستكون مختلفة هو في أفضل الأحوال وهم. والتغيير الوحيد الذي قد نراه في ظل قيادة ائتلاف «أزرق وأبيض» لإسرائيل هو سيطرة اليهود المتطرفين على جوانب الحياة الاجتماعية والدينية في الدولة. لكن على صعيد إنهاء الاحتلال وتلبية الحد الأدنى من متطلبات قيام دولة فلسطينية مستقلة، لا توجد رغبة لدى نتنياهو ولا ائتلاف «أزرق وأبيض» في المضي قدماً صوب هذا الهدف.
وهذه هي إسرائيل التي بناها نتنياهو وحزب ليكود، فمنذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، عندما تولى السلطة للمرة الأولى، عكف «ليكود» على برنامج استيطاني كان من شأنه جعل قيام دولة فلسطينية مستقلة أمراً مستحيلاً. وبعد اتفاقات «أوسلو» حرضوا ضدها وضد حزب «العمل» الإسرائيلي وضد الفلسطينيين. وأفضت جهودهم التحريضية إلى تشريع مناهض للسلام، مرره الكونجرس الأميركي بقيادة «جمهورية»، وإلى اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين، وإلى انتخاب نتنياهو في عام 1996 على أساس برنامج ينهي عملية السلام.
ويشي ذلك كله بأن الانتخابات الإسرائيلية الجديدة لن تتمخض عن شيء جديد لا لإسرائيل ولا للفلسطينيين.
*رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن