الأجندة في الإعلام هي التأثير على ما يفكر به الجمهور وعلى تصورهم لما هو مهم من خلال ما يتم التركيز عليه باستمرار، لذلك الأجندة الإعلامية لكل دولة معنية بشؤونها الداخلية وخاصة أمنها القومي.
أكبر تهديد أمني لدول الخليج هو النظام الإيراني، فكما ذكر سعادة الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، «تمثل الثورة الإيرانية عام 1979م بداية عصر من الاضطراب واختلال التوازن وتفاقم التهديدات في منطقة الخليج العربي التي لم تعرف الهدوء منذ ذلك الحين.. وبدءاً من الحرب الإيرانية العراقية المريرة وصولاً إلى كارثة غزو الكويت ومابينهما، نجد الظل الكئيب لنظام الملالي في كل الأزمات».
ومع ذلك نجد التركيز في الإعلام الخليجي على الاحتلال الإسرائيلي، ولا يتطرق إلى الاحتلال الإيراني إلا نادراً. فمثلاً معدل التطرق إلى احتلال إيران للجزر الإماراتية والأحواز العربية القريبة من الخليج جغرافياً قليل جداً مقارنة بالاحتلال الإسرائيلي. فالسلطات الإيرانية تمارس أبشع أنواع التنكيل والعنصرية ضد الأحوازيين من نشر الفقر بالرغم أنها منطقة غنية بالنفط، وطمس هويتهم العربية، هذا عدا الإعدامات والاعتقالات. فحقيقة الأمر، «لا يوجد شعب أفضل من شعب أو أرض أزكى من أرض»، فلمَ يعطى كل هذا الوقت لاحتلال واحتلال آخر يكاد لايذكر؟
ربما الإعلام هو الذي أسهم في غرس فكرة أن الاحتلال الإسرائيلي أخطر من الاحتلال الإيراني، مما جعل النظام الإيراني يستغل القضية الفلسطينية لصالحه، لكن لم يوضح الإعلام أن الذي يحتل شعباً عربياً وينكل به لا يمكن أن يكون صادقاً بمشاعره تجاه شعب عربي آخر. واستمر هذا التمويه الإعلامي إلى أن تمت سيطرة النظام الإيراني على أربع عواصم عربية مهددة أمن الخليج.
نجد على الرغم من تطور آلية الإعلام الخليجي إلا أنها مازالت لا تسخر على نحو فعال. الوضع لم يتغير منذ الحرب العراقية-الإيرانية إلى الآن. فالإعلام لم يذكر نصيحة الملك فهد، رحمه الله، لصدام حسين، «إيران في حالة فوضى بعد الثورة، دعها وشأنها. الإيرانيون منهمكون في مقاتلة بعضهم بعضا. غير أن صدام أصر أنه سيمضي حتى يصل إلى طهران ويجذب الخميني من لحيته، فدعمت السعودية صدام بالحرب لأنها كانت مضطرة للاختيار بين صدام السيئ والخميني الأسوأ.» أيضا لم يلق الإعلام الاهتمام على مبادرة الشيخ زايد، رحمة الله عليه، والتي كانت تدعو إلى وقف الحصار على الشعب العراقي، ولو سلط الإعلام الضوء على المبادرة مثلما كثّف مناهضة إزاحة صدام بحرب 2003 لما وقعت الحرب وتجنب الشعب العراقي الويلات.
لقد كان الإعلام الخليجي يعطي الكثير من الوقت لتصريحات صدام النارية ضد إسرائيل مثلا، «إنه مستعد للانسحاب من الكويت إذا كان الإسرائيليون مستعدين للانسحاب من الضفة الغربية وغزة ومرتفعات الجولان» ليوهم الشعوب بأنه بطل قومي عظيم، لكن بعيدا عن الإعلام كان يقول، «إذا هوجمت الآن من قبل إسرائيل فلن أصمد ست ساعات.» ومازال الإعلام إلى الآن يركز على الخطابات الطنانة لنصرالله والنظام الإيراني موهمة الشعوب بنفس الهالة المخادعة.
حتما عدم ترتيب أوليات الأجندة في الإعلام الخليجي أمر جَلَل لأنه يجعل الشعوب تركز على خطر على حساب تهديد مباشر لأمنها القومي مما يساعد الأطراف المعادية استغلال هذا التشتت لمصلحتها. كما أنه يخلق عداوة في قلوب الكثير من الشعوب العربية لأنها لم تكن على علم بالمواقف السامية التي بدرت من حكام الخليج، والظروف التي أجبرتهم لاتخاذ قرارات معينة بسبب فشل سياسات بعض الدول.
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي