حروب «هز ذيل الكلب»، تعتمد على صناعة الأزمات والحروب الصغيرة المؤقتة، التي يمكن السيطرة على نتائجها وتداعياتها، بهدف تحقيق مكاسب انتخابية، أو للتغطية على فضائح



لزيادة حظوظه في الانتخابات الإسرائيلية القادمة، أطلق نتنياهو وعوداً للمتشددين بضم أراض جديدة إلى مساحة إسرائيل، تتجاوز حدود 1967. وهذا الموقف انتقدته دولة الإمارات وعبرت بشكل رسمي عن استنكارها الشديد ورفضها القاطع لما أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بهذا الشأن. وجاء الموقف الإماراتي على لسان سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، الذي قال إن هذا الإعلان يعتبر تصعيداً خطيراً ينتهك كل المواثيق والقرارات الدولية، ويعبر عن الاستغلال الانتخابي في أبشع صوره من دون أدنى اعتبار لشرعية القرارات الدولية أو أدنى اهتمام بتقويضه للمساعي الحميدة التي يقوم بها المجتمع الدولي للوصول إلى حل سلمي للقضية الفلسطينية.
وبهدف تسخين الانتخابات القادمة، افتعل نتنياهو قبل تصريحه الأخير اشتباكاً مسرحياً مع ميليشيا «حزب الله»، وكما توقع المراقبون، لا توجد في الوقت الحالي فرصة لقيام حرب واسعة بين الطرفين، لأن إسرائيل على أعتاب انتخابات سوف تحدد مصير بقاء نتنياهو في السلطة من عدمه، وأي مناوشات إنما يتم افتعالها بشكل محدود. بينما «حزب الله» منشغل هو الآخر مع الحليف السوري بتكليف من طهران، ولا وقت لديه لفتح جبهة جديدة تستنزف قوته.
وبالتالي لا يمكن انتظار مفاجآت عسكرية ذات أثر خطير بين إسرائيل ووكلاء إيران هنا وهناك، رغم الضجيج الإعلامي. على العكس من ذلك يبدو أن الضجيج هو الهدف المطلوب من وراء أي تصعيد مؤقت. بما يضمن للطرفين الإسرائيلي والإيراني الخروج من المسرحية المشتركة بانتصارات إعلامية دعائية صالحة للاستهلاك الانتخابي في إسرائيل، ومحققة للمزيد من الاصطفاف مع المتشددين في الجهتين.
أما الخلفية التاريخية لهذا النمط من توظيف الحروب، فإنه يرتبط بلعبة الحرب والسياسة في المسرح السياسي الغربي، والتي أوجدت أسلوباً صار يعرف بحروب «هز ذيل الكلب»، ويعتمد على صناعة الأزمات والحروب الصغيرة المؤقتة، التي يمكن السيطرة على نتائجها وتداعياتها، بهدف تحقيق مكاسب انتخابية، أو للتغطية على فضائح تكون قد بلغت ذروتها، فيصبح الحل الوحيد لدفنها إيجاد أزمات خارجية أكبر منها، لتحقيق الالتفاف الشعبي، وصرف الأنظار عن الفضيحة الداخلية، وتوحيد الصفوف، وجعل ما دون التحديات الخارجية المفتعلة لا يستحق التركيز والاهتمام.
كما أن هذا الأسلوب أصبح نهجاً متكرراً والوقائع الماضية كثيرة، منها أن الرئيس الأميركي جورج بوش الأب كان قد أطلق شرارة حرب الخليج ضد العراق عام 1991 بالتزامن مع حالة شديدة من الركود الاقتصادي الذي أدى إلى هبوط شعبيته، وبهدف صرف انتباه الأميركيين عن الأزمة تم افتعال حرب الخليج. ولا ننسى أن أميركا هي التي دعمت صدام حسين ونفخته وشجعته على دخول الكويت، ثم وجدت في الحرب ضده فرصة لمواجهة الكساد ورفع شعبية الرئيس الأميركي. أما أفضل من قدم صورة سينمائية عن هذا النمط من الحروب فهو فيلم هوليوود
(Wag the dog)، الذي أنتج عام 1997 وقام ببطولته «دستن هوفمان» و«روبرت دي نيرو»، ويحكي عن اشتراك منتج سينمائي مع مدير حملة انتخابية للرئيس الأميركي في ابتكار حرب افتراضية، بهدف إلهاء الرأي العام ودفع الناخب الأميركي إلى تناسي فضيحة للرئيس قبل أربعة عشر يوماً فقط من يوم الانتخابات. وهذا بالضبط هو حال بنيامين نتنياهو الآن، المرشح لمحاكمات وفتح ملفات فساد في حال خروجه بنتيجة سلبية من الانتخابات الإسرائيلية القادمة.
تعتمد نظرية «حروب هز ذيل الكلب» على الإيحاء بأن الذيل هو الذي يهز الكلب وليس العكس، والفكرة قائمة على الإلهاء وصرف الأنظار. لكن الجمهور لا يستوعب في الكثير من الأوقات خلفية ودوافع بعض الأحداث التي تظهر إلى السطح فجأة، سواء على شكل قضايا وأحداث وصراعات داخلية، أو على شكل حروب صغيرة وخاطفة، ما إن تبدأ حتى تنتهي، بعد أن تحقق الهدف المطلوب منها.
هذا النهج الخطير في توظيف الحروب يضعنا أمام حقيقة صادمة، مفادها أن الكثير من الصراعات التي تحدث في العالم، إنما تندلع من أجل تحقيق وحماية مصالح النخب والقوى المسيطرة، أو التي ترغب في استمرار قوتها وحمايتها من المنافسين.
هذا ما يفسر لجوء رئيس الوزراء الإسرائيلي مؤخراً إلى شن ضربات عسكرية، شملت مناطق متفرقة في كل من سوريا ولبنان والعراق. ثم سمح الطرفان الإسرائيلي والإيراني لبعضهما بقطف ثمار انتصارات مزعومة تم توظيفها إعلامياً.
*كاتب إماراتي