أقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب مستشاره للأمن القومي جون بولتون، الذي شغل المنصب عام 2018، وهو ثالث شخص يشغل المنصب منذ تولي ترامب الرئاسة. ذكرت تقارير إعلامية إلى أن إقالة بولتون جاءت بعد خلافات عميقة مع ترامب حول رغبة الأخير قبل بدء سنة الانتخابات الأميركية في إحراز انتصارات دبلوماسية سريعة عبر عقد لقاءات مع الرئيس الإيراني حسن روحاني وقادة «طالبان» ومعارضين آخرين للولايات المتحدة، فهل تمهد إقالة بولتون الطريق لمرحلة جديدة في السياسة الخارجية الأميركية نحو اعتماد الإدارة للسياسات التصالحية أو التوافقية مع معارضي الولايات المتحدة؟ وكيف تقرأ طهران إقالة بولتون أكبر داعمي تبني الخيار العسكري في التعاطي معها؟ وما هي الرهانات الإيرانية في الأزمة النووية مع واشنطن؟
تعتمد السياسة الإيرانية على سياسة النفس الطويل، فبعد عام على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي بدأت طهران للضغط على شركائها في الاتفاق النووي بتخفيض التزاماتها وفق الاتفاق كل 60 يوماً، وخففت التزاماتها للمرة الثالثة في الوقت الذي طرح فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطة إنقاذ للاتفاق النووي تقوم على تمديد إيران بحد ائتماني بقيمة 15 مليار دولار، في حال عودتها إلى الالتزام بالاتفاق النووي وسيتعين على طهران الموافقة على عدم تهديد أمن الخليج، أو عرقلة الملاحة البحرية في منطقة، والالتزام بمحادثات الشرق الأوسط الإقليمية في المستقبل وقد أظهر الرئيس ترامب انفتاحه للخطة الفرنسية. لقد كان واضحاً منذ البداية أن الرئيس الأميركي لا يريد الحرب إنما التفاوض، لكنه اختار عصا العقوبات في التعامل مع إيران لجرها لاتفاق نووي جديد بشروط جديدة. وفي المقابل لا يريد حسن روحاني الحرب، ولا يمانع معاودة التفاوض على الاتفاق النووي لكن بشروط: رفع العقوبات وعودة أميركا إلى الاتفاق وعدم التطرّق إلى الملفات الأخرى كالبرنامج الصاروخي والسياسات الإقليمية.
وظهر جلياً منذ تولي ترامب للسلطة وجود انقسام داخل الإدارة الأميركية حول هدف التصعيد ضد إيران بين اتجاه يتبنى فكرة إسقاط النظام الإيراني كهدف للسياسات الأميركية وبين اتجاه يرى في ممارسة أقسى الضغوطات الممكنة على إيران بهدف جرها لطاولة المفاوضات وصولاً لاتفاق نووي جديد. ويتبنى الاتجاه الأول «جون بولتون» مستشار الأمن القومي المقال.
من الواضح اليوم أن مسار الأزمة النووية بين واشنطن وطهران سيتغير بعد إقالة بولتون المعروف بموقفه المتصلب تجاه الملف الإيراني، فتغيير النظام لم يعد مطروحاً على جدول أعمال الإدارة الأميركية، وينحصر سعي الإدارة إلى إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات من أجل التوقيع معها على اتفاق شامل، لا يتعلق فقط بالمشروع النووي، بل يشمل البرنامج الصاروخي الإيراني والسياسات الإيرانية الإقليمية في سوريا واليمن. في المقابل يبدو أن طهران باتت على قناعة بأن خيار المهادنة هو الخيار الواقعي، وأن المراهنة على موقف الدول الأوروبية لتخفيف العقوبات المفروضة على اقتصادها رهان فاشل، وإن إدارة ترامب في سبيلها لتخفيف العقوبات عليها، ويتزايد أمل طهران في إمكانيات بدء التوصل إلى تسوية بعد تأكيد الرئيس الأميركي إمكان تخفيف العقوبات عن طهران إفساحاً في المجال أمام عقد لقاء مشترك بينه وبين الرئيس الإيراني روحاني على هامش أعمال قمة الجمعية العامة للأمم المتحدة المقررة في نيويورك الشهر الجاري.
إن رهان طهران الأساسي في سبيل إنهاء الأزمة النووية مع واشنطن، هو رهان على الوقت فطهران ستماطل في المفاوضات وستغرق مفاوضيها في التفاصيل، لكنها لن تنسحب من الاتفاق النووي على الأقل حتى نوفمبر 2020، موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. رغم نفي وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في تصريح له يوم 18 يوليو الماضي بأن إيران لا تنتظر ولن تراهن على خروج دونالد ترامب من الرئاسة العام المقبل. إلا أن إيران تأمل أن يخسر ترامب الانتخابات، وأن يعود «الديمقراطيون» إلى البيت الأبيض لتعود معها سياسة باراك المهادنة حيال إيران، لذلك، طهران تماطل وستماطل في الوقت وصولاً لأهدافها.