تصنَّف المملكة العربية السعودية ضمن أكبر عشرين اقتصاداً في العالم، بناتج محلي إجمالي اسمي يبلغ 782 مليار دولار، وناتج محلي إجمالي حقيقي يقارب نحو 2 تريليون دولار سنوياً. وهو ما جعلها عضواً في مجموعة العشرين (G20) منذ عام 2008، المجموعة التي تضم بين أعضائها أكبر عشرين اقتصاداً في العالم، وأَهَّلها لأن تستضيف اجتماع القمة الخامس عشر لرؤساء وزعماء دول المجموعة، والمقرر عقده في الرياض في نوفمبر 2020.
وتتمتع المملكة حالياً بلقب أكبر مصدِّر للنفط في العالم، كما أنها تتمتع بثاني أكبر احتياطي نفطي، وخامس أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي، مما يجعلها قوة عظمى في مجال إنتاج وتصدير الطاقة من المصادر الأحفورية، حيث إن أراضيها ومياهها الإقليمية تحتوي على ما تقارب قيمته 35 تريليون دولار من مصادر الطاقة، لتصبح بذلك ثاني أكبر دولة في العالم على صعيد المتوفر للجيل الحالي ولأجيال المستقبل من المصادر الطبيعية.
إلا أن هذا لم يمنع قادة المملكة، منذ سبعينيات القرن الماضي، من العمل على تنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط، والاستثمار في قطاعات اقتصادية مختلفة، من خلال عدد من الخطط التنموية الخمسية المتتابعة. حيث كان التركيز في الخطتين الأولى والثانية على إنشاء ورفع مستوى مكونات البنية التحتية من طرق ومحطات طاقة وكهرباء وغيرها، ومع الخطة الخمسية الثالثة اتجه التركيز إلى قطاعات الرعاية الصحية، والتعليم، والخدمات الاجتماعية، ثم تتابعت هذه الخطط الخمسية التنموية لتشمل الجوانب المختلفة من الاقتصاد بقطاعاته المختلفة.
واستمراراً لهذه الاستراتيجية، أطلقت المملكة في السادس والعشرين من أبريل عام 2016، ما يعرف بـ«رؤية 2030»، وهي خطة تهدف أيضاً إلى تقليل الاعتماد على النفط، وإلى تنويع النشاطات الاقتصادية بأكبر قدر ممكن، وخصوصاً إلى تطوير قطاعي السياحة والترفيه، ورفع كفاءة الخدمات والقطاعات العامة مثل قطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية.. مع الاهتمام بالاستثمار وتفعيل دور القطاع الخاص في دفع عجلة التنمية.
وتعتمد هذه الرؤية على ثلاثة أعمدة رئيسية؛ الأول هو مكانة المملكة باعتبارها القلب النابض للعالمين العربي والإسلامي، والثاني هو السعي لجعل المملكة نقطة جذب رئيسية للاستثمارات العالمية، والثالث هو استثمار موقع المملكة كمحور تواصل وتجارة بين القارات الثلاث (آسيا وأفريقيا وأوربا).
ومن بين ما يقارب 80 مشروعاً تتضمنها خطة «رؤية 2030»، والتي سيتم تمويل معظمها من قبل صندوق الاستثمارات العامة السعودي، تحتل مدينة «نيوم» مكانة خاصة، كونها تندرج تحت ما يعرف بالمدن الذكية، المعتمِدة على أحدث التقنيات وعلى التكنولوجيا المتطورة، المتوفرة حالياً، أو المتوقع أن يتم تطويرها في المستقبل القريب، كما يخطط لها أن تعتمد بشكل كلي وتام على مصادر الطاقة المتجددة.
وتقع مدينة «نيوم» في شمال غرب المملكة العربية السعودية، على مقربة من الحدود الأردنية، وتمتد على مساحة تصل 26 ألف كيلومتر مربع، بطول قدره 460 كيلومتر على ساحل البحر الأحمر. ووفقاً للتقديرات، فإن تكلفة هذا المشروع ستبلغ حوالي 500 مليار دولار، على أن يتم الانتهاء من المرحلة الأولى منه عام 2025. وهو ما يعتبر بكل المقاييس خطوة واثقة وجريئة، نحو ما أصبح يعرف باقتصاد الإبداع والابتكار، أي النشاطات الاقتصادية المعتمدة على الابتكار والاختراع والاستحداث والتجديد.
حيث يشير مفهوم أو مصطلح صناعات الإبداع (Creative Industries)، أو اقتصادات الإبداع، أو «صناعة الثقافة» كما يسمونه أحياناً في الدول الأوروبية، إلى مدى واسع من النشاطات الاقتصادية التي تهتم بالتركيز على تخليق واستغلال واستخدام المعرفة والخبرة والمعلومات والبيانات. ويُعتقد أن قطاعات صناعة الإبداع تدر في الوقت الحالي مليارات الدولارات، وربما حتى تريليونات الدولارات، خصوصاً إذا ما أدرجنا فيها القطاعات الإبداعية غير الثقافية، مثل الهندسة، واكتشاف الأدوية والعقاقير الطبية، وتقنيات الهندسة الحيوية.. والتي تقدر عائداتها هي الأخرى بمليارات الدولارات سنوياً. ومن هذه الأرقام الحالية، بالإضافة إلى التوقعات المستقبلية، يمكن أن ندرك أن اقتصاد الإبداع، ربما كان من أهم -إن لم يكن أهم- القطاعات الاقتصادية حالياً، وفي المستقبل أيضاً، وذلك بالمقارنة مع قطاعات الاقتصاد التقليدية، مثل الزراعة، والصناعة، أو تلك المعتمدة على استغلال الموارد الطبيعية.
ولذا يهدف مشروع «نيوم»، وغيره من المشاريع التي تتضمنها رؤية 2030، مثل المدن الاقتصادية المتخصصة الجاري إنشاؤها، كمدينة الملك عبد الله الاقتصادية، إلى أخذ زمام المبادرة في التحول من الاقتصاد المعتمد على المصادر الطبيعية، وبالتحديد مصادر الطاقة، إلى الاقتصاد المبني على المعرفة، وعلى الابتكار والإبداع.. ليس للحاق بالركب، وإنما لشق الطريق نحو مستقبل اقتصادي واعد، يأخذ في الاعتبار التغيرات التكنولوجية والاقتصادية المتلاحقة، مما يضمن لأجيال المستقبل فرص عمل متميزة، ضمن نشاطات اقتصادية مسايرة للتطورات المستقبلية.