منذ أشهر، والناس تترقب ضرب إيران (اليوم أو غداً) لجملة من الأسباب المختلفة، أشبعت شرحاً وتفصيلاً وتبريراً، وباتت معروفة للمهتم وغير المهتم في المنطقة والعالم. لكن شيئاً من هذا لم يحدث، بينما المناخ كان ولا يزال مناخ حرب، ونسبة توتره عالية.. إلى حد أن الطيران المدني طلب إليه عدم التحليق فوق المنطقة الممتدة من خليج عُمان مروراً بمضيق هرمز، وحتى داخل مياه الخليج العربي شاملةً الضفتين. لا نريد الحديث عن معطيات الحرب شبه المكتملة نظرياً على الورق، ولا عن نسبة التحشيد العسكري في مياه الخليج، فهو واضح ومعلوم. كما أن الحديث عن الحملات الدبلوماسية للأطراف في الساحتين الإقليمية والدولية، هي تحصيل حاصل وأمر طبيعي، ففي الحروب أو في التمهيدات للحروب على أي مستوى كانت، تستخدم الطرق والوسائل كافة بمختلف أنواعها وأحجامها ومواقعها. نعم، إن الحرب التي لا يحبها أحد ولا يرغبها، هي في النهاية وسيلة ضغط باهظة الثمن لتحقيق هدف لم تستطع تحقيقه الدبلوماسية. ومع عجز الدبلوماسية ووصول الوضع إلى خرطِ القتاد كما الحال الآن. لا يعود الرهان على الزمن ينفع انتظاراً لمؤثراته في حلحلة جبل الثلج المتفاقم، ولا الحلم على الجاهل ليجعله عاقلاً يستعير أحداث التاريخ.
من اختار أن يكون عدواً لك واضحاً، الصبر عليه يدخلك أبواباً مستنكرة، ويفسر إحجامك على غير ما تهوى وتريد. ولعل ما صرح به اثنان من «صقور» الحزب «الجمهوري» الأميركي (آدم كنزنكر ولندسي جراهام)، وهما من «المحافظين»، هو على علاقة بإشارتنا: (إن عدم الرد وبقوة على إيران الآن يعني أننا أصبحنا مضحكة في العالم، وأن إيران ستستمر في ضرب مصالحنا في المنطقة. على ترامب أن يرد بعد ثبوت الأدلة أنها من يقف وراء أحداث السعودية). وهذا كلام يهجس به حتى الناس في هذه الأيام. إن الحصار الاقتصادي الأميركي لإيران لا يمكن فهمه إلاَّ أنه «نصف الحرب»، أما أن يتُرك كما هو فهو ناقص في عيون الجميع، وربما يكون رفعه في هذه الحالة خير من بقائه، كونه يترك الجريح أقوى، ويذكي فيه شراسة الوحوش.
معامل أرامكو لم تضرب في الحقيقة يوم 14 سبتمبر، إنما ضُربت في 20 يونيو الماضي، يوم أسقطت إيران طائرة مسيرة أميركية وهي خارج أجواء إيران. حينها لم ترد أميركا، واعتبر إحجامها ذاك سقوطاً حراً للإرادة، سرعان ما أفضى بعد 4 أشهر إلى ضرب منشآت أرامكو.
بالونات الاختبار ضرورة في فترة التوتر العالي، يدرك ذلك جيداً لاعبو الشطرنج. قائد العمليات في الشرق الأوسط، الجنرال (فرانك ماكينزي)، قال إن سيناريوهات الرد أُعطيت للرئيس ترامب وهو من يختار. بالتوازي فإن بنك الأهداف في إيران قائمته واضحة. وأدلة الاعتداء رُحّلت إلى مجلس الأمن والجمعية العمومية للأمم المتحدة. ودول المنطقة المتضررة بحسب قناة (فوكس نيوز) أبلغت رغبتها الرد على إيران مع أميركا وحلفائها إن أمكن، وإلاَّ فإنها تستطيع اللجوء إلى خيارها الفردي الخليجي، وهي مؤهلة لذلك.
* إعلامي وكاتب صحفي