لا شك أنه ليس بالأمر الهين هذا الهجوم على منشآت نفط حيوية تابعة لشركة «أرامكو» في بقيق وخريص بالسعودية، في 14 سبتمبر الجاري، فهو هجوم لا يستهدف السعودية وحدها، بل يمثل إعلان حرب على أهل الخليج كلهم. ولا شك أن أهل الخليج جميعاً مع السعودية، وكذلك كل عربي حر شريف وكل مسلم بل كل إنسان يميل للسلم الاجتماعي ويكره الاعتداء. وإن حاول البعض أن يشمت، فإن فرحتهم لم تطل، بل قُتلت مع المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، حيث أعلن عن عودة العمل في المواقع المستهدفة.
إيران، كما أوضح مايكل آيزنشتات في مقالة له نشرها «معهد واشنطن»، تحاول المناورة في المنطقة الرمادية بين السلم والحرب، وقد أصبحت لديها خبرة في التعامل مع تردد الولايات المتحدة ومعاييرها لما تعتبره سلماً أو إعلاناً للحرب. لذلك حض آيزنشتات على التعامل مع إيران بنفس الأسلوب، أي توجيه ضربات محددة ضمن المنطقة الرمادية بحيث لا تَحدُث الحرب الشاملة التي لا يريدها عاقل في المنطقة.
وربما يشبه البعض الهجوم على شركة «أرامكو» بهجوم اليابانيين على ميناء بيرل هاربر الأميركي، ذلك الهجوم الذي أدى لدخول الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية، حيث فاجأ اليابانيون أميركا والعالم بضربة مباغتة نفذتها البحرية الإمبراطورية اليابانية في 7 ديسمبر 1941 استهدفت خلالها الأسطول الأميركي القابع في المحيط الهادئ. ثلاثمائة وثلاث وخمسين طائرة حربية يابانية انطلقت من ست حاملات يابانية للطائرات، إضافة إلى عدة غواصات، سعت كلها لتدمير الطائرات الحربية الأميركية الرابضة على الأرض.. لكن هذه الطائرات ما كانت لتقدر أن تعود للهجوم على أميركا مرة ثانية بعد أن زال عنصر المفاجأة ولم يعد هناك ما يخاف الأميركيون من حدوثه، بل قاموا بالرد القاسي الذي شل القوة اليابانية.
لكن بعض الغيورين من أهلنا الذين يريدون ضربة يُؤخذ فيها بالثأر من إيران بأقصى سرعة، لا يدركون خطورة نشوب الحرب الشاملة في منطقة تقع فيها أهم منابع النفط على الصعيد العالمي مثل منطقة الخليج.
ما أود قوله هنا أن السعودية وأهلنا في الخليج بخير ولم تضرهم الضربة التخريبية بشيء، بل تم إصلاح الأضرار وعادت معامل أرامكو للنشاط بعد ثلاثة أيام فقط من الاعتداء الدنيء. نحن في حالة صراع مع طرف ليس لديه ما يمكن أن يخسره. فإيران تواجه منذ عامين استراتيجية «الضغط الأقصى» التي تعتمدها واشنطن، وهي استراتيجية كفيلة بتغيير وجه نظام الملالي للأبد، بل قد تؤدي إلى سقوطه نهائياً. من هنا نفهم مجازفات إيران ومحاولتها الظهور بمظهر المستعد للحرب الشاملة.
في مثل هذه المواقف، تبرز أهمية الثقة بقياداتنا العليا، وألا يلتفت المواطن السعودي أو الخليجي لصنّاع القنوط ودعاة التفكك من أعدائنا، سواء أكانوا من الإخونجية أو القومجية الذين لا همّ لهم سوى وضع العصا في العجلة، والفرح بكل مشكلة تقع مهما كانت صغيرة. قياداتنا في المملكة العربية السعودية وفي دولة الإمارات العربية المتحدة أهل للثقة المطلقة في قراراتها، وقد تصدوا عبر العقود لتحديات لا تقل شراسة وخطراً عن نظام الملالي وميليشياته في المنطقة، وقد كان لحكمتهم الدور الكبير في تجاوز كل تلك التحديات والانتصار عليها.

*كاتب سعودي