منذ سنوات، يقوم الرئيس الصيني «شي جين بينغ» بإنشاء طرق حرير جديدة، ومع مرور الوقت أصبح هذا البرنامج الاستثماري الضخم في بنيته التحتية بمثابة سياسة كبرى للدولة الصينية. ومن خلال ذلك يقوم العملاق الصيني بتغيير الخريطة الاقتصادية العالمية على جميع الأصعدة، حيث يتكون مشروع بكين الطموح من قسم بري يتمثل في إنشاء وتمويل سكك حديدية بين القارات، وقسم بحري يتمثل في استثمارات في عشرات الموانئ عبر العالم لتيسير التجارة الصينية.

والصين التي حذت حذو اليابان خلال مؤتمرها حول التنمية في أفريقيا تتخطاها الآن بالمبالغ المخصصة وبالتواجد المكثف في الاقتصاد الأفريقي، سواء عبر تمويل مشاريع في دول القارة أو عبر نقل بعض التكنولوجيات الحيوية، إلى المحافظة على مكانتها، بل وتعزيزها من خلال التوقيع على عقود اقتصادية واستثمارية تشمل شتى المجالات.
ولا غرو أن الصين من خلال سياستها هذه تحاول أولا تنشيط اقتصادها وجعله يتنامى بشكل أسرع وأقوى، وثانياً غلق المجال أمام الولايات المتحدة وأوروبا اللتين تشكيان من «القوة الناعمة» الآسيوية التي بدأت تحل محلها في القارة السمراء.
وتشير دراسة أجرتها «وكالة ماكنزي الأميركية» إلى أن أكثر من 1000 شركة صينية تعمل حالياً في أفريقيا، بل إن بعض المصادر تتحدث عن 2500 شركة صينية، 90 بالمائة منها شركات خاصة.
وتتوقع تقارير استراتيجية أن تصل قيمة الأرباح المالية التي تجنيها الصين من أفريقيا بحلول عام 2025 إلى 440 مليار دولار، أي بزيادة قدرها 144 بالمائة. وتعد جنوب أفريقيا وإثيوبيا من دول الصدارة فيما يتعلق بالاستثمارات الصينية، بينما تحتل زامبيا وأنغولا ذيل القائمة.
ولعل المهم من ذلك كله أن الصين استطاعت فهم العولمة والانخراط فيها بذكاء، وقد أضحت استراتيجيتها تثير مخاوف لدى أوروبا وأميركا. ووفقاً للتقارير الغربية فإن ثمة وراء الاستثمارات الصينية في أفريقيا رغبة في الحصول على الموارد النفطية والمعدنية التي تملكها بعض دول القارة، مثل نيجيريا والجزائر والكونغو.. مشيرةً إلى أن 90 بالمائة من صادرات هذه الدول إلى الصين تتمثل أساساً في النفط والمعادن والغاز الطبيعي، مما جعل الميزان التجاري يميل أكثر للصين على حساب هذه الدول التي تبقى اقتصاداتها متذبذبة بسبب تغير أسعار النفط عالمياً.
وتقوم الصين بشراء أراض زراعية شاسعة في دول أفريقية بغية استثمارها لإطعام سكانها الذين سيتجاوز عددهم 1,5 مليار شخص بحلول عام 2025.
وإلى جانب الملف الاقتصادي، تتجلى «القوة الناعمة» الصينية في مجالات متعددة، مثل الإعلام والثقافة والتعليم، حيث شرعت الصين في بناء مراكز ثقافية لتعليم اللغة والثقافة الصينيتين. كما لا يخفى على المتتبعين الاستراتيجيين التواجد العسكري الصيني المتنامي في أفريقيا، لاسيما في منطقة القرن الأفريقي، وذلك لتأمين طرق الملاحة البحرية في خليج عدن والبحر الأحمر فضلا عن تأمين سلامة الجنود الصينيين المساهمين في قوات حفظ السلام بدول أفريقية عدة.
ويبدو أن هدفاً أساسياً يكمن وراء سياسة الصين هذه، وهو أن لا تبقى أميركا القوة الدولية الوحيدة المسيطرة على طرق الملاحة البحرية، لأن هذا يمكن أن يعارض المصالح الصينية ويعيق توصيل الموارد الأولية وعمليات المراقبة.

*أكاديمي مغربي