كثيرون جداً من أبناء الوطن العربي ضبطوا دقات قلوبهم على توقيت انطلاق الصاروخ المحمل بمركبة (سويوز.إم.إس 15) يوم غدٍ بمشيئة الله، وفي المقابل جميع أبناء الإمارات ضبطوا إيقاع ذلك اليوم على الحلم الذي سيتحقق لهم. فعلى متن تلك الرحلة سيكون هزاع المنصوري- أول رائد فضاء إماراتي - ضمن طاقم الرحلة التي ستضم كلاً من «جيسيكا مير» رائدة الفضاء الأميركية، «وأوليغ سكريبوشكا» رائد الفضاء الروسي. وخلال تلك الرحلة التي ستستمر لثمانية أيام سيجري الرواد عدة تجارب علمية، إلى جانب مهام أخرى ستُنجز قبل تاريخ العودة المقرر يوم الرابع من أكتوبر المقبل، ليكون المنصوري بذلك أول رائد عربي تستقبله المحطة التي تدور على ارتفاع 390كم عن سطح الأرض.
وفي محطة (بايكونور كوزمودروم) الكازاخية انضم المنصوري وإلى جانبه سلطان النيادي - رائد الفضاء الإماراتي البديل - إلى طاقم الرحلة، حيث أتمّ الجميع مرحلة العزل الصحي التي استمرت خمسة عشر يوماً تحت إشراف طاقم طبي أحد أعضائه الطبيبة الإماراتية حنان السويدي، وكان احتكاكهم مع العالم الخارجي خلالها شبه معدوم.
هي - بلا جدال - لحظات فارقة تستحق أن نتوقف عندها جميعاً، ليس فقط من ناحية ما ستقدمه تلك الرحلة من منجز علمي يضاف إلى سلسلة المنجزات العلمية المختصة بعلوم الفضاء، وإنما من ناحية أخرى تتعلق بمسؤولية أصحاب القرار تجاه جيل الشباب وتوظيف قدراتهم ومهاراتهم، وهو ما يجعلني كإماراتي أشعر بالفخر والاعتزاز ببلدي وبقيادته، مثلما يفخر بهم أبناء الإمارات، وهذه مسألة لا شك فيها على الإطلاق.
إننا إذن أمام رحلة تاريخية كما وصفها سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، فهي «أمل يضيء الطريق نحو نهضة علمية عربية جديدة في قطاع الفضاء الذي تسعى فيه دولتنا إلى تحقيق إنجازات نوعية بسواعد وعقول جيل مبدع، وبمبادرات ومشاريع مستقبلية طموحة» وبالتالي فإن صعود المنصوري إلى الفضاء هو خطوة البداية بالنسبة لنا في الإمارات، وستتلوها مستقبلاً خطوات. ما يعني أن هذه المهمة ستعقبها مهام أخرى بهدف خدمة العلم والبشرية، وهو ما تسعى قيادتنا لتحقيقه في ظل وجود برنامج فضاء إماراتي مستدام. فالحكومة تُولي اهتماماً كبيراً بالفضاء، وقد أعدت استراتيجية متكاملة خاصة بالاستثمار في هذا القطاع، بتكلفة تزيد عن 22 مليار درهم حتى النصف الأول من عام 2018.
في المقابل على جيل الشباب إدراك عدد من الأمور المهمة، فتلك اللحظة التاريخية - ممثلة في صعود المنصوري إلى الفضاء – ما كانت لتتحقق لولا الجهد المبذول. فالتحضيرات - التي بدأت في الثالث من سبتمبر 2018 – كانت كثيرة ومهمة ودقيقة، تمت خلالها تدريبات مكثفة بدأت بتعلم اللغة الروسية، ثم التدريبات اللاحقة على مركبة (سويوز)، بما فيها تدريبات الإقلاع والهبوط. كما خضع طاقم الرحلة لاختبارات متنوعة ليكونوا مستعدين بشكل تام لتنفيذ الرحلة بالنجاح المرتقب.
بالطبع.. الحلم والأمل وحدهما لا يكفيان، إذ لابد أن يتحلى الشباب بروح المسؤولية العالية، فترشيح الإمارات للشابين المنصوري والنيادي كي يتصديا لهذه المهمة لم يكن بالأمر اليسير، خاصة أن أربعة آلاف شاب وشابة من الإمارات تقدموا للاختبارات الأولية ضمن (برنامج الإمارات لرواد الفضاء)، وهو برنامج يضاف إلى سلسلة البرامج التي وضعتها حكومة الإمارات للاستثمار في الشباب، وقد أثبت شبابنا أنهم أهلٌ للمسؤولية وقادرون على تحقيق الريادة في مختلف المجالات، خاصة أن قيادتنا توفر لهم الإمكانات التي من شأنها إزالة التحديات من أمامهم.
إن إنجاز رحلة الفضاء التي تتسارع الخطى نحو تحقيقها، ستُدخل دولة الإمارات مرحلة جديدة ومهمة في تاريخ نهضتها التنموية، وهي التي كانت مثالاً حياً في تسخير مالها ومقدّراتها من أجل الاستثمار في أبنائها. وإني شخصياً – ومن دون مبالغة -أعتبر وصول المنصوري إلى الفضاء خطوة ملهمة لكل للشباب العربي من دون استثناء، وهم الذين من حقهم المشاركة في صناعة مستقبل البشرية أسوة بالشباب في الدول المتقدمة، خاصة أن عدداً كبيراً منهم مبدعون ومتميّزون، ولا ينقص أكثرهم إلا الدعم وتوافر الإمكانات، الذي سيمكنهم من الإسهام في إثراء المعرفة الإنسانية.
إننا جميعاً (نتطلع إلى رؤية اسم الإمارات شامخاً في الفضاء كما هو على الأرض)..هكذا قال سمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان، نائب رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، وهو الذي تحدث بلسان كل إماراتي، ولربما بلسان كل عربي. فما يتحقق اليوم في دولة الإمارات يُضاف إلى سجل منجزات العرب عبر التاريخ، والشواهد والأمثلة كثيرة. ودائماً علينا أن نتذكر أن وراء كل نجاح سلسلةُ عملٍ طويلة وشاقة، بدءاً من التأسيس، وانتهاءً باكتمال المنجز، وحينها تكون لحظة التتويج فارقة، والشعور بالمجد لا يعادله شعور آخر.