شارك ملايين الأشخاص، من موسكو إلى مانهاتن، في ميسرات عبر العالم، ضمن واحد من أكبر الاحتجاجات التي يقودها الشباب في التاريخ. ودافعت الناشطة السويدية المراهقة جريتا ثانبيرج، التي أثارت احتجاجاتها المنفردة حركة عالمية، عن التحرك من أجل حماية البيئة أمام عشرات الآلاف في نيويورك. واحتشد نحو 300 ألف شخص بالقرب من بوابة براندنبورج في برلين. وفي جزر سولومون المهددة بارتفاع مستوى مياه المحيط، شارك الطلاب في احتجاج استقلوا فيه القوارب ذات المجاديف.
ونقل «إضراب المناخ» المنسق في أكثر من 150 دولة رسالة لا تخطئتها العين لزعماء العالم المجتمعين في الأمم المتحدة. وفي الغرب، تشير استطلاعات الرأي إلى أن أغلبيات من السكان، وخاصة وسط الشباب، يؤيدون تحركاً حكومياً جوهرياً لمعالجة مشكلة ارتفاع حرارة الكوكب. وهناك حاجة ملحة للتحرك. فقد توصل تقرير رئيسي مدعوم من الأمم المتحدة، إلى أن السنوات الخمس الماضية كانت أكثر السنوات حرارة في سجل السنوات. وقد تسارع ارتفاع مستوى البحر على أساس سنوي أكثر مما كان عليه قبل عقدين. وتشير بيانات جديدة إلى أن معدل زيادة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي زادت سرعته بنسبة 20% عما كان عليه قبل عقد. وحذر التقرير من أنه إذا استمرت الانبعاثات في التزايد بمعدلها الحالي، فسيصبح العالم على شفا كارثة بحلول عام 2040 وستضربه كوارث من التطرف المناخي على شكل نوبات من الجفاف والفيضانات.
وصرح أنطونيو جوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة، للصحفيين قائلاً: «الحكومات تتبع دائماً الرأي العام في أي مكان في العالم، عاجلاً أم آجلاً. علينا أن نتمسك بإعلان الحقيقة للناس وأن نثق بأن النظم السياسية، وخاصة الأنظمة السياسية الديمقراطية، ستستجيب في نهاية المطاف».
لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لن يحضر الجلسة الخاصة بالمناخ، وسيحضر اجتماعاً بشأن الحريات الدينية. وخارجياً، كان ترامب قد دشن انسحاب بلاده من اتفاق باريس بشأن التصدي لتغير المناخ. وفي الداخل، عمل على تفكيك طائفة من اللوائح التنظيمية لحماية البيئة، بما في ذلك حكم صدر قبل أيام من الآن، يلغي قدرة ولاية كاليفورنيا على وضع أهدافها الخاصة بشأن تقليص انبعاثات السيارات. ويجادل ترامب بأن الاتفاقات متعددة الأطراف ولوائح الولايات تمثل قيداً غير عادل على الاقتصاد الأميركي. وتخلى عن المسؤولية الأميركية لكبح الانبعاثات، مشيراً إلى الحاجة الهائلة للطاقة في الدول النامية التي ما زالت حكوماتها وشركاتها توسع الاستثمار في الفحم.
وترامب ليس وحده في هذا المضمار، فقد استضاف في الأيام القليلة الماضية رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون الذي أحضر ذات يوم قطعة من الفحم إلى البرلمان، ليستعين بها كسند ضد خطط خصومه في السعي إلى اللجوء لمصادر الطاقة المتجددة.
ويتفق ترامب في الآراء مع الرئيس البرازيلي خايير بولسونارو، الذي أصبح رمزاً لـ«الشر البيئي» في الوقت الحالي، بعد أن تركز انتباه العالم على حرائق الأمازون ودور حكومته اليمينية في تخفيف إجراءات حماية الغابات. ودافع وزير الخارجية البرازيلي إدواردو أراوخو عن الرئيس أثناء زيارة لواشنطن في وقت سابق من هذا الشهر، معتبراً أن الحديث عن تغير المناخ بمثابة مؤامرة يسارية و«ذريعة للطغيان». وصرح بأن بلاده ستنقل رسالة إلى الأمم المتحدة تتمحور حول سيادة الدول، وهي رسالة تردد خطابين سابقين لترامب ألقاهما من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وصرحت أليس هيل، من «مجلس العلاقات الخارجية»، لصحيفة «نيويورك تايمز»، قائلة بأن «مناخنا السياسي ليس صديقاً لهذا النقاش في الوقت الحالي. تعدد الأطراف يتعرض لهجوم. وشهدنا صعوداً للحكومات السلطوية. نرى أن هذه الضغوط تعمل ضدنا. ليس لدينا قيادة في الولايات المتحدة لنوجه العملية». وربما يحضر عدد من حكام الولايات الأميركية اجتماع الأمم المتحدة، في محاولة لملء الفراغ السياسي الذي تركه ترامب. ووقعت عشرات الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات على اتفاق مناخ للأمم المتحدة، تلتزم بموجبه بتقليص انبعاثاتها من الكربون في السنوات المقبلة.
وصرح بيل جيتس مؤخراً لكاتب هذا المقال، بأنه من المؤسف ألا يكون تغير المناخ قضية إجماع حزبي في الولايات المتحدة. وأشار إلى أن هناك حاجة ليس فقط إلى تحركات رمزية، بل أيضاً إلى استثمارات عامة وخاصة كبيرة لتغيير نمط الاقتصاد ودعم «نظام بيئي مبتكر يقلص كلفة الانتقال إلى الطاقة الخضراء بشدة». وأكد بيل جيتس أنه لا يجد مشكلة في دفع المزيد من الضرائب من أجل هذا. وكانت مؤسسة بيل جيتس قد أشارت في تقرير لها، في الآونة الأخيرة، إلى أن تأثيرات تزايد نوبات الجفاف والفيضانات من العوامل التي فاقمت عدم المساواة حول العالم. لكن جيتس عبر عن دهشته من حجم حركة الاحتجاج الحالية وكثافة الاهتمام وسط الجمهور.
وصرحت ناعومي كلاين، الناشطة اليسارية البارزة، لمجلة «نيويورك ريفيو أوف بوكس»، قائلة: «من المستحيل ألا نشعر بالرعب مما يتكشف أمامنا، من المنطقة القطبية إلى الأمازون، وأيضاً التأثيرات البشرية المروعة في مناطق مثل جزر البهاما. وكيف لا يستثار غضبنا، بينما يحتل مخربون للكوكب أرفع المناصب؟».
وبعد المداولات في نيويورك، يجري التخطيط لموجة احتجاجات جديدة حول تغير المناخ يوم الجمعة المقبل. وعلى هامش الاحتجاجات في برلين، عبّر الطالب «جاكوب لوكنر» (عمر 25 عاماً) عن بهجته بالعدد الكبير من المشاركين في الاحتجاجات، ورأى أن «هناك نقطة تحول اجتماعي من نوع ما».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»