دراسة النسيج الاجتماعي لدولة الإمارات، قبل ظهور النفط، توضح لنا كيف تفاعل أبناء الإمارات مع الجاليات المقيمة في الدولة، خلال مراحل تاريخية، سواء كانت الجالية الهندية التي تطرقنا إليها سابقاً، أو الجالية «الإيرانية» التي قدمت من بر فارس، أو الأفريقية، أو الأوروبية.
ازدادت مؤثرات الجالية الأفريقية و«الإيرانية» على سكان شبه الجزيرة العربية، بحكم العلاقات التجارية مع إمارات الخليج، وخاصةً في فترة امتداد الامبراطورية العُمانية من منطقة بندر عباس إلى كينيا في شرق أفريقيا. المجتمع الأول، الذي اتخذ من منطقة الإمارات والخليج موطناً له، فهي الجاليات التي هاجرت من إيران وبلوشستان ( أقاليم في باكستان وإيران وأفغانستان)، خاصة بعد سقوط «لنجة» العاصمة القاسمية على الساحل الفارسي، وظهور النزعة الفارسية عند الحكام الإيرانيين. انتقلت جاليات كثيرة من إيران، أمثال الكراشية واللارية والعوضية والبستكية والخورية، إلى مناطق مختلفة من الخليج العربي، أهمها مدينة دبي. هذه الجاليات كانت تمتهن التجارة من أوسع أبوابها، فعندما استقرت هذه الجاليات في دبي جلبت تجارتها معها، وانتعشت أسواق دبي، وامتدت على طول الخور، فكانت البضائع تنقل عبر أعالي البحار، لتذهب إلى أسواق الهند وشرق أفريقيا، وتجلب بضائع تلك البلدان إلى دبي لتسويقها. وهذه الجالية امتزجت بالمجتمع الإماراتي، وتلقاها الإماراتيون بالترحاب، وساعدتهم على فتح أسواقهم، ولم ينافسوهم في تجارتهم، كما لم يفرضوا عليهم ضرائب باهظة، بل أطلقوا لهم حرية التجارة والسوق المفتوح، وما أريد التأكيد عليه أن هذه العملية الاقتصادية جعلت من دبي مركزاً عالمياً إلى يومنا هذا. وضمن هذا الإطار، أشار الدكتور محمد فارس الفارس، الباحث في تاريخ الخليج، إلى أنه في ستينيات القرن الماضي، منح الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم -رحمه الله- حاكم إمارة دبي، آنذاك، أرضاً لأبناء الجالية المقيمة، والتي بُني عليها مدرسة إيرانية. وهذا يعد من سماحة دولة الإمارات مع الجاليات المقيمة، وعندما تشكلت دولة الإمارات في العهد الحديث، تم منح هذه الجالية جنسية دولة الإمارات العربية المتحدة.
وهناك جالية بلوشية، حلت بين أهل الخليج، ويعرفهم أهل الخليج باسم «عيال محمد»، وأصبحوا جزءاً من سكان الدولة ومواطنيها.
ثانياً: الجالية الأفريقية، التي جاءت من شرق أفريقيا، فمنذ أن كانت مدينة ممباسا عاصمة للسلطنة العُمانية في شرق أفريقيا، كان الوافدون من تلك المدينة يفدون إلى مناطق الخليج العربي، وكانوا يعملون في صناعة السفن وصيد الأسماك والغوص بحثاً عن اللؤلؤ، والقليل في رعي الإبل وسقايتها. ومنهم من عمل في الحراسة لوجهاء القبائل. وظهر منهم غواصون وربابنة سفن وبحارة، وجلبوا معهم عاداتهم الأفريقية (أهازيج البحر مثل الهولو واليمال)، هذه الجالية أيضاً حظيت باحترام أهل الإمارات. وقد حدثت اختلاطات عائلية، وتزوج بعض المواطنين من أفريقيات، ومُنح أبناء هذه الجالية الجنسية الإماراتية.
ثالثاً: الجالية الأوروبية، التي عاشت في الخليج قبل ظهور النفط، كان وجودها لأهداف استراتيجية وسياسية، إلا أن بعد الحرب العالمية الثانية، وظهور مصالح اقتصادية بريطانية في الخليج، ومع بداية اكتشاف النفط في نهاية الخمسينات وبداية الستينات؛ توافد الكثير من الأجانب إلى المنطقة بغرض التنقيب عن النفط. وفي فترة الخمسينيات قُدمت الرعاية الصحية للمواطنين، والتي تقبلها المجتمع بالشكر والامتنان. ومن أوائل المستشفيات التي بنيت مستشفى كندي. والمتتبع لكتب التاريخ، وبالتحديد كتاب د. فالح حنظل، المفصل في تاريخ الإمارات العربية المتحدة، لا يجد صفحة تتحدث عن وجود تمايز، أو عدم الانسجام، أو صدام في المصالح بين الجاليات المقيمة وأبناء الإمارات. ومن الواضح أن القيم والمبادئ، التي اعتمدتها وزارة التسامح لعام 2016، هي امتداد لطريقة تعامل المجتمع الإماراتي مع الجاليات المقيمة، في مرحلة ما قبل قيام الاتحاد، وأساسها التعايش وقبول الآخر.