دشن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والرئيس البرازيلي خايير بولسونارو، جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة بخطب قومية مطولة. فقد عبّر بولسونارو عن غضبه ضد رد الفعل العالمي على الحرائق واسعة النطاق في غابات الأمازون، مصوِّراً بلاده على أنها ضحية استغلال المنظمات الناشطة والصحافة الأجنبية «الكاذبة». وفي قلب أهم مؤسسة دولية، رفع الثنائي السيادة القومية فوق أي شيء آخر، وهي فكرة ثابتة خلال سنوات ترامب الثلاث في السلطة، وتمثل تصوراً حيوياً لضابط الجيش السابق الذي أصبح رئيس البرازيل الحالي. وأعلن بولسونارو قائلاً: «لسنا هنا لنزيل القوميات باسم مصلحة عالمية مجردة. المستقبل ليس للعولميين». واتبعه ترامب في كلمته قائلاً إن المستقبل «للوطنيين».
لكن بعض زعماء العالم الآخرين لا يوافقون على هذه الرؤية. فقد انتقد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في مقابلة مع «واشنطن بوست» تأثير قيادة ترامب على المسرح الدولي، من البيئة إلى مواجهة إيران. فقد عبر سانشيز عن فزعه من «رئيس لا يؤمن بتغير المناخ ولا يُقدر إلحاحية اللحظة». وعبّر سانشيز عن رفضه خطاب ترامب بشأن الحماية التجارية، وخاصة اعتبار إدارته أن الشركاء الأوروبيين تهديد أمني، كوسيلة لفرض ضرائب على بعض صادراتهم. لكنه عبّر عن ثقته بأن الشراكة عبر الأطلسي يمكن إنقاذها لأنها «تتفوق على الإدارات». وفيما يتعلق بتغير المناخ، أشار سانشيز إلى جهود عدد من حكام الولايات ورؤساء بلديات المدن الأميركية لكبح الانبعاثات وبناء اقتصاديات أكثر قدرة على الاستدامة، بدعم أو بغير دعم اتحادي.
وأكد سانشيز، في ترديد لحجة طرحتها شخصيات مثل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على حاجة أوروبا لأن ترسم نهجها الخاص في المسرح العالمي لتنهي عقوداً من الانضواء تحت المظلة الأميركية. وأضاف: «إن الدور الذي يتعين على أوروبا القيام به، ليس الآن، بل في السنوات المقبلة، وهو خلق مزيد من التوازن» في السياسات الدولية. ومضى يقول إنه كانت هناك حاجة لهذه الدرجة من الاستقلال من قبل، لكن الموقف الجديد لهذه الإدارة جعل الحاجة أشد إلحاحاً.
وعلينا أن ننتظر حتى نرى الدور الذي قد يلعبه سانشيز نفسه في هذا التحول الجيوسياسي. فبعد أن عجز عن بناء ائتلاف حاكم مستقر، دعا إلى إجراء انتخابات جديدة في نوفمبر. وتم حل البرلمان الإسباني مؤخراً. وستكون انتخابات نوفمبر رابع انتخابات في البلاد خلال أربع سنوات والثانية خلال العام الجاري. وخصوم سانشيز في أقصى اليمين ويمين الوسط يحملونه مسؤولية رفضه العمل معهم. لكنه يلقي بمسؤولية الفشل على عاتق خصومه لعدم اعترافهم بالتفويض السياسي الذي فاز به وحزبه («العمال الاشتراكي») في أبريل الماضي.
ثم إن هناك قضية كاتالونيا التي أدت حركة انفصالية فيها إلى أزمة دستورية عام 2017، بإجراء استفتاء على الاستقلال اعتبرته مدريد غير قانوني. وهي قضية ستلقي بظلالها على انتخابات نوفمبر. وفي أكتوبر يتوقع صدور أحكام قضائية بحق بعض الزعماء الكاتلونيين الانفصاليين عن اتهامات بالتحريض والتمرد.
وبينما انتقد ترامب وبولسونارو مخاطر «الاشتراكية» التي وصفها الرئيس الأميركي بأنها «محطمة للأمم ومدمرة للمجتمعات»، يعتقد سانشيز أن سياسة حزبه ضرورية في عصر تغير المناخ واتساع فجوة عدم المساواة الاجتماعية. وأكد أنه «من المهم إظهار أسلوب تقدمي للناس لمواجهة هذه التحديات»، مشيراً إلى أهدافه الطموح بشأن الطاقة المتجددة في إسبانيا، ضمن نهج لم ينل من الدعم الذي يتمتع به حتى الآن، وسط الطبقات العاملة الريفية التي يحصل غالبيتها على مصدر رزقهم من صناعات تتعلق بالوقود الأحفوري. والعام الماضي، أبرمت حكومته صفقة مع النقابات العمالية لإغلاق معظم مناجم الفحم في البلاد، لكنها ضخت مئات ملايين اليورو للاستثمار في هذه المناطق.
ويعتقد سانشيز أن هذا النوع من تفهم قضية عدم المساواة هو النهج الذي يمكنه سحق إغراءات القوميين والشعبويين. وعلى خلاف ترامب ونائب رئيس الوزراء الإيطالي السابق ماتيو سالفيني، تبنى سانشيز نهجاً مرحباً باللاجئين ومعلناً أن «إسبانيا تقبل التنوع باعتباره ميزة حيوية».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»