يوجد 91 رئيس دولة و45 رئيس حكومة ضمن عشرات الموفدين لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في حي مانهاتن بمدينة نيويورك. لكن يغيب عن اجتماعات الأسبوع الجاري شخصيات بارزة مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينج وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وكلمة الرئيس دونالد ترامب يوم الثلاثاء من على منصة الجمعية العامة هي الثالثة في فترة رئاسته. وصرحت كيلي كرافت التي عينها ترامب في الآونة الأخيرة سفيرة لبلاده في الأمم المتحدة قائلة «أعتقد أنه من المعقول القول إن الإدارة تطبق مستويات جديدة من الفحص للأمم المتحدة والهيئات الأخرى لتقييم فعاليتها في مقابل مليارات الدولارات التي يقدمها دافعو الضرائب الأميركيون». وذكرت كرافت أن الدبلوماسيين الأميركيين «يضغطون من أجل تحرك واقعي» لإقرار حقوق الإنسان وتفعيل دور المرأة والقضايا العالمية الأخرى.
وربما وجود ترامب في الأمم المتحدة هذه المرة يمثل له فترة استراحة مستحبة من الضجيج الذي يواجهه في واشنطن.
فهناك عالم قد يُدار من دون ترامب. فقبل بدء الخطب رفيعة المستوى يوم الثلاثاء الماضي، رفض الرئيس الأميركي المشاركة أو التحدث في جلستين كبيرتين بشأن تغير المناخ والرعاية الصحية الشاملة. ومع الأخذ في الاعتبار مواقف ترامب الذي يرى أن الدفاع العالمي عن البيئة والتحركات المحلية لإصلاح الرعاية الصحية ليس إلا «مؤامرة يسارية» ستضر الاقتصاد الأميركي، فقد كانت الأسباب الأيديولوجية هي من شبه المؤكد وراء قراره عدم التحدث في الاجتماعات. لكن باقي العالم، وعلى رأسهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش لم يعودوا يقبلون الرضوخ لترامب. ويؤكد «ريتشارد كوان» من «مجموعة الأزمات الدولية» البحثية أنه «في عامي 2017 و2018 كان زعماء العالم حريصين فيما يبدو على عدم إزعاج ترامب أو حتى تدشين مبادرات قد لا تروق له. العام الحالي مختلف. جوتيريش ومجموعة كبيرة من الدول قررت السير في مسعى كبير للتصدي لتغير المناخ رغم ابتعاد الولايات المتحدة عن هذه القضية. العالم قرر أنه يتعين عليه أن يجرب العمل متعدد الأطراف دون الولايات المتحدة إذا لزم الأمر».
ترأس ترامب اجتماعاً بشأن الحريات الدينية وهو جزء محوري من رسالة سياسته الخارجية في العامين الماضيين. لكن مسعى ترامب هذا لقي درجة من الانتقاد التهكمي، فقد أشار منتقدون إلى أن الرئيس الذي شن حملته الانتخابية على أساس منع هجرة المسلمين إلى الولايات المتحدة لا يعتبر بطلاً للتعددية الدينية. وهناك أيضاً الشأن الإيراني. فكما كان الحال في السنوات القليلة الماضية، ستتركز العيون على ما يحدث بين الوفدين الإيراني والأميركي. وقبل أسابيع قليلة، ظهرت تكهنات كثيرة بأن ترامب والرئيس الإيراني حسن روحاني قد يجتمعان على هامش قمة الأمم المتحدة، مهما يكن من أمر المعارضة لمثل هذا التقارب في كل من طهران وواشنطن. لكن بعد الاشتباه في شن إيران هجوماً على منشأة نفطية سعودية رئيسية أغرقت المنطقة في أزمة، لم يعد هناك أمل في عقد أي اجتماع بين روحاني وترامب.. ويرى «كوان»، من مجموعة الأزمات الدولية، أن «أسوأ الافتراضات هي أن ينخرط ترامب في عاصفة خطابية ضد طهران تشبه وصفه للزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون بأنه رجل الصواريخ الصغير عام 2017». لكن «كوان» أضاف أن الرئيس الأميركي «يميل حتى الآن إلى ضبط النفس».
لكن كل طرف متمسك بموقفه فيما يبدو. وكان من المأمول أن يقدم روحاني رؤية مختلفة للغاية عن أمن الشرق الأوسط يوم الأربعاء الماضي عن تلك التي قدمها ترامب قبله بيوم. وصرح «براين هوك» المسؤول الأميركي الخاص بشأن إيران للصحفيين يوم الاثنين الماضي أن الولايات المتحدة تأمل أن تسود الدبلوماسية والبراجماتية، لكنه شجب أيضاً «التوسعية الثورية» لإيران، وأشار إلى أدلة متزايدة عن أن الإيرانيين أكثر عزلة وضعفاً بعد حملة «الضغط الأقصى»، التي دشنها ترامب في السنوات الماضية.
*كاتب أميركي متخصص في الشؤون الدولية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»