يتاح لإيران دائماً وفي أَوج محنِها الناجمة عن سوء تصرفاتها، فريق أو أكثر يهب لنجدتها، مرةً للحرص على الأمن والسلم العالميين، ومرةً لتوفير مشاكل على الإقليم تعمد إيران لإثارتها عندما تشعر بالإزعاج من الولايات المتحدة، وإن لم يكن هذا أو ذاك فهناك من يتبرع لأنه يرجو فائدةً شخصيةً من وراء ذلك!
في الأمم المتحدة بدا روحاني حمامة سلام، لكنها ذات أنياب (!). فهو يريد السلام في الخليج ومضيق هرمز عبر نظامٍ للأمن مربوط بمواثيق وتعاقدات. وهو يريد التفاوض لا الحرب، لكنه ليس بلداً ذليلاً يقبل بالتفاوض في ظلّ الحصار والعقوبات. وقال إنّ الإيرانيين تعاملوا مع المبادرة الأوروبية بإيجابية، لكنّ الأوروبيين ما استطاعوا إنفاذ ما وعدوا به. وكما أنّ إيران تقبل التفاوض في كل شيء، فإنّ لها جهوداً محمودةً في التعاون على حل المشكلات، فمن سوريا إلى لبنان وفلسطين وحتى اليمن.. فهي مستعدة للمساعدة في الوصول إلى السلام!
بدأ روحاني خطابه بالترحم على شهداء الثورة. وحسبتُ أنه يقصد ثورة الخميني، لكنه كان يقصد مسيرة الحسين بن علي رضي الله عنهما ضد يزيد وواليه على العراق عبيد الله بن زياد. وقد ذكّرني كلام روحاني بكلام الرئيس الإيراني السابق نجاد، الذي اعتادَ ذكر المهدي المنتظر متوقِّعاً ظهوره قريباً جداً، وربما تحدث إليه من على منبر الأمم المتحدة(!). أما الشهداء الآخرون الذين تحدث عنهم وترحم عليهم روحاني فقال إنهم في سوريا والعراق واليمن وفلسطين وأفغانستان. ففي كل هذه البلدان ارتكبت إيران مذابح مباشرةً أو بواسطة ميليشياتها. في سوريا والعراق شاركت في قتل مئات الألوف وتهجير الملايين. وقبل أيام كان «نصر الله» يشترط على سكان بلدة القصير السورية (أكثر من ثلاثين ألفاً) للسماح لهم بالعودة إلى موطنهم الذي هجرتهم منه ميليشياته! فالشهداء في سوريا والعراق هم شهداء الشعبين، والقتلة هم «داعش» و«الحشد الشعبي» وضباط «الحرس الثوري» وميليشيا «حزب الله». ومن الذين قاموا بالانقلاب في اليمن، وقتلوا وشرّدوا وما يزالون؟ هم الحوثيون الذين دربتهم إيران وسلّحتهم. أما أن روحاني يريد التوسط، فهذا غير منطقي لأنه جزءٌ من المشكلة. فإيران هي التي تؤثر على الميليشيات لرفض كل حل، حتى اتفاق الحديدة الذي يتمدح روحاني بأنه كان سبباً فيه. كان من حقه أن يفتخر لو أن الحوثيين تعاونوا في تنفيذه، لكنهم لم يفعلوا. أما في أفغانستان فإيران ضالعةٌ بالعمل مع «طالبان» ضد الحكومة الشرعية. وفي فلسطين حيث البغي والاحتلال الإسرائيلي، وقعت عدة حروب كانت تحتاج إليها إيران في مساومتها الولايات المتحدة. وما ذكر روحاني، وهو يتمدح بحكمة خامئني، بقية الشهداء الذين قتلتهم إيران وميليشياتها. ومنهم المئات بلبنان على رأسهم الرئيس رفيق الحريري الذي سيصدر في أكتوبر القادم الحكم على قاتليه من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. لقد نسيهم روحاني، كما نسيهم نصر الله من قبل.
جاء روحاني إلى الأمم المتحدة بعد أن ضربت إيران المنشآت النفطية السعودية بالمسيَّرات والصواريخ. وقد أدان الأوروبيون الضربة، لكنّ ماكرون ظل مصراً على جمع روحاني وترامب. ورفض روحاني مشترطاً تخفيف العقوبات أو الوعد بذلك. فالإيرانيون هم الذين امتنعوا وظهروا بمظهر الأقوياء بعد الضربة الإجرامية: أو لم يكن الأجدى أن يُظهر الأوروبيون غضبهم ولو لأُسبوعين أو ثلاثة؟ ولماذا هذا التهافت؟ الإيرانيون يريدون صفقةً كبرى مع الولايات المتحدة، وحضور الأوروبيين وغيابهم سيان!
إيران هي مَن يعتدي دائماً في البحر والبر والجو.. والأميركيون والبريطانيون يحضرون بسلاحهم إلى المنطقة عندما تضرب إيران السفن أو الجيران.

*أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية -بيروت