يُشهد لدولة الإمارات العربية المتحدة منذ أن تأسست في عام 1971، تميزها وفرادة توجهاتها القائمة على المبادئ الإنسانية التي تُعلي من شأن الإنسان، مهما كان دينه أو عرقه أو لغته، والحرص على الانفتاح على الحضارات والثقافات كافة، من خلال ترسيخ مجموعة من القيم التي تنطلق من تعزيز ثقافة التعايش والتسامح وقبول الآخر، وهو ما تجسد بوجود أكثر من 200 جنسية على أرضها، ينعمون بحياة تمكّنهم من ممارسة عاداتهم وعقائدهم وثقافاتهم من دون تمييز أو انتهاك، وقد تكلّل ذلك كله باعتماد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، عام 2019 عاماً للتسامح.
وانسجاماً مع توجيهات القيادة الرشيدة، وسياسات مؤسسات الدولة الخاصة بتأصيل ثقافة وممارسات التسامح، واستكمالاً للعديد من المبادرات القائمة على تنفيذ ذلك، جاء تنظيم دار زايد للثقافة الإسلامية، قبل يومين، الدورة الثالثة لـ«منتدى التسامح»، تحت شعار: «دور التسامح في التلاحم المجتمعي»، في إطار مواصلة سلسلة البرامج والأنشطة والمبادرات المتخصصة بتعزيز قيم التسامح، بوصفه وسيلة في تحقيق أمن واستقرار المجتمعات والأُسر، وملمحاً بارزاً في قيم الثقافة الإسلامية ورسالتها القائمة على التعايش السلمي والتسامح الديني وقبول الآخر، لدوره المؤثر في بناء جسور التواصل الإنساني والحضاري، وترسيخ قيم التلاحم والتضامن والتعاون المجتمعي.
إن نهج التسامح الذي أسس له المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كان الطريق الأول في جعل دولة الإمارات نموذجاً فريداً وتجربة رائدة في تطبيق قيم الترابط الإنساني والتسامح الديني والمحبة والتعايش والسلام والانفتاح، على المستويين الإقليمي والدولي، وذلك بفضل الإدراك مبكراً لدور التسامح الإيجابي والفاعل في تعزيز الهوية الوطنية وبناء مجتمع متلاحم، ينظر إلى قيم التضامن والتطوع والعون والقبول بتقدير وحرص كبيرين، وذلك لأهمية ذلك كله في التأسيس لمجتمع ينعم أفراده بالسعادة والرفاه، ويمتلك كل مقومات السلام والأمن والاستقرار، ودولة تتمكن من تحقيق اقتصاد تنافسي ومنفتح ومستدام.
لقد أصبحت ثقافة التّسامح والمحبة والانفتاح والتعايش، سمة بارزة وملمحاً واضحاً لدولة الإمارات، وهي التي احتضنت في فبراير الماضي رمزين دينيين على أرضها، حين اجتمع قداسة البابا فرانسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وممثلين عن 12 مذهباً دينياً، و700 شخصية من القيادات الفكرية من مختلف أنحاء العالم، تأكيداً على الحرص على اهتمامها بتجسير الهوة بين المختلفين، وتعزيز دوافع الخير والسلام وقبول الآخر، والتأكيد أن الإنسانية هي ما يجمع البشر، مهما اختلفوا فيما بينهم، وهو ما استوجب منها رفع راية المحبة، وإعلاء قيم الحوار والتفاهم والتعايش بينهم، ليكون التسامح بذلك السبيل الأوحد والأكثر تأثيراً في محاربة أي مظهر من مظاهر الكراهية والعنف والتطرف، وتعزيز العلاقات الإنسانية وإرساء قواعد جديدة تقوم على احترام الاختلاف.
إن تجريم دولة الإمارات أشكال الكراهية والعصبية كافة، وحرصها على إعلاء شأن الإنسانية من خلال التسامح، جاء لأنها تمتلك رؤية استشرافية، ترى أن بناء الحاضر والاستعداد للمستقبل يتطلبان دوماً العمل على علاقات إنسانية مشتركة، أساسها نشر قيم الخير والمحبة والتكاتف، وأن الدول والشعوب المتسامحة، هي الأقدر على تعزيز متطلبات التلاحم والتواصل والتضامن والحوار، وهي الأكثر نجاحاً في تحقيق مستهدفات الرفاه والسعادة والازدهار التي تسعى إليها، نتيجة لتأصّل قيم الولاء والعمل والإنتاجية لديها، الأمر الذي حفّز دولة الإمارات على ترسيخ قيم التسامح بوصفها فضيلة إنسانية، ورسالة عالمية يجب نشرها وممارستها من أجل تعزيز جسور التواصل والتلاقي بين الثقافات والحضارات والأديان، وبناء مجتمعات تنبذ الكراهية والعنف، وتعتمد التسامح منهج حياة وقيمة مستدامة، يرتكز على حب الخير والتآلف والتعاون والعطاء والمساواة بين البشر.
ـ ــ ـ ـ
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.