كلما اقتربتَ من الإمارات تكتشف أن المستحيل بالفعل ليس كلمة موجودة في قواميس أهلها، فهذا المصطلح الذي تعثرت عنده كثير من الدول والأمم ليس موجوداً أصلاً في جينات الشعب الإماراتي لأن هناك قيادة سياسية غرست أن لا مستحيل أمام الإنسان عندما يمتلك العِلم والإرادة والتصميم. الفكرة الأساس هي تحويل المستحيل إلى ممكن، ولذلك تحقق الإمارات أهدافها عبر نواتها الأولى التي تستمد منها إنجازاتها الحاضرة وتجعل منها صورة لامعة في منطقة ملتهبة تعيش صراعات سياسية أزلية أثرت سلبياً في شعوب المنطقة، غير أن النموذج الإماراتي بات مختلفاً لاستناده إلى قاعدة مختلفة.
المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، تسلم راية القيادة، فكان الغرس الصحيح في زراعة الدولة الوطنية التي منها تستمد الإمارات قوتها الحقيقية وتنطلق بسرعات ووثبات عالية في مجالات التنافسية المعاصرة سواء أكانت سياسية أو عسكرية أو اقتصادية أو علمية، فتظل كل هذه السياقات مجرد فضاءات للحركة والانتشار، لطالما كانت الدولة الوطنية هي المستند القوي الذي تأوي إليه في كل مشاريعها.
نجاح تأسيس الدولة الوطنية في مجتمع قبلي- كان إلى وقت قريب بدائي الطابع كشأن كل المجتمعات العربية- يعتبر نموذجاً فريداً أكدت فيه القيادة السياسية ألا مستحيل متى ما تم وضع الرؤية الصحيحة لقيام الدولة، فالمرتكز على قدرة الدولة الوطنية أن تمتلك القوة والمتانة وتحويلها إلى عقيدة راسخة في وجدان الشعب كان تحدياً أولاً مع نجاح الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، حيث نجحت الإمارات في كسر كل المستحيلات وتحولت إلى أرض تصنع المعجزات.
تتسلح الإمارات بأسلحة قوية في سياق تعزيز اللُحمة الوطنية عبر مؤسسات قامت على التعليم وتطوير الإنسان وبناء شخصيته كفرد قادر على التأثير، هذه منهجية قد لا تكون محسوسة بالشكل الواضح إلا مع الاقتراب من الإمارات، ومن منهجيتها في التعليم والزراعة ووضع الأدوات التي تجعل من الأفراد يشكلون قدراتهم، ويجدون الفرص المواتية لتشكيل قوتهم الجامعة المستندة دائماً على الدولة الوطنية كأساس يستمد منه الأفراد، ثم التكوين المجتمعي، خصائص كسر التحديات مهما كانت مستحيلة.
ليس للطموحات حدود، فالدولة التي يبحث عنها الصينيون كممر لمشروعهم الحُلم أوجدت البنية التحتية القوية عبر موانئها العالمية وعبر مؤسساتها المالية، لتكون مفتاحاً للشرق نحو الغرب، تماماً كما هو الغرب الذي وجد في مدينة دبي ممراً ليعبر نحو الشرق في سنوات سبقت، عندما أظهرت الإمارات قدرات مختلفة التشكيل وحتى التكوين في أنها قادرة على أن تكون مركزاً عالمياً آمناً يحقق الاستثمار الاقتصادي في منطقة تزاحمت بالحروب والصراعات.
في عام زايد 2018 كرست الإمارات قيم ومبادئ زايد في ذكرى ميلاده المئوي ضمن سياق تأصيل الدولة الوطنية، وفي عام التسامح 2019 جاء قادة الأديان حول العالم ليوقعوا وثيقة إنسانية خالدة، ليست شعارات مجردة بمقدار أنها مشاريع ممتدة في أن التوجه العام يمضي نحو رؤية مفادها أن اللامستحيل هو إماراتي يمتد ويتواصل مع مشاريع طموحة. فالقادم سيكون (إكسبو 2020) ومسبار الإمارات إلى كوكب المريخ، هذه طموحات ومشاريع تتصل بعضها ببعض ترسم مستقبل يصنع بأدوات ثابتة معززة دوماً بمفهوم راسخ بالدولة الوطنية القادرة على امتلاك الإرادة في أن تستمر نحو الآفاق مهما أعتمت ومهما كانت التحديات.
تحويل الصحراء القاحلة إلى ثروة تحدٍ آخر تفرضه الإمارات يوازي ذلك التحدي الذي صنعته وهي تصل إلى الفضاء عبر إرسال هزاع المنصوري إلى المحطة الدولية كأول رائد فضاء عربي يصل إليها. ففي صحراء الإمارات يتم استزراع الرمل ويتم الحصول على الطاقة كمورد جديد لتحدٍ آخر وضعته القيادة الإماراتية لما بعد النفط، هذا جانب آخر من التحديات في دولة لم تعد نامية بل دولة ناجحة بمقاييس الأمم المتقدمة.
المنهج الواضح في تأسيس الدولة الوطنية ينعكس في قدرات القوة العسكرية أو ما يطلق عليه اصطلاحاً «القوة الصلبة» وهي التي أثبتت قدراتها القتالية في حرب اليمن على كافة المستويات من تحرير العاصمة الجنوبية عدن في يوليو 2015 أو من عملية تحرير ساحل حضرموت في أبريل 2016 وهي العملية الأوسع جغرافياً في نطاق مكافحة الإرهاب، فالتأهيل العسكري للجندي الإماراتي والقدرات القتالية التي ظهرت للعالم كشفت حقيقة أن العقيدة القتالية نشأت من عقيدة وطنية صنعت ذلك القدر من القوة العسكرية التي أيضاً كانت جلية في تطهير باب المندب كجزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي.
يبقى تساؤل مؤداه: أين ينتهي طموح زايد؟، قد يبدو سؤالاً مفتوحاً عند المراقبين لوثبات دولة وشعب مازال يكتنز الكثير مما سيقدمه للعالم، فالرغبة في أن تكون الإمارات رقماً صعباً يحتل الرقم واحد، مع دخول العام الخمسين من الحضور كدولة، يبدو مجرداً من الإجابة فمازال لدى الإماراتيين وقيادتهم من الطموحات ما سيذهب بهم إلى عام 2071 التي جعلوه هدفاً سيبذلون جهدهم للوصول إليه كعلامة بشرية لها بصمتها في القرن الحادي والعشرين.
يحق للقيادة الإماراتية أن تفتخر بإنجازها في نجاح استثمارها في شعبها، فهذا رهان مؤسسها الأول، ويحق لشعبها أن يفتخر بأنه ينتمي لمدرسة زايد الذي لم يعرف المستحيل يوماً، دولة وشعب لا ينظرون إلى الوراء وإلى الذين تعثروا خلفهم، بل ينظرون إلى الأمام ويحاولون الذهاب إلى المستقبل بعزائم قوية معززة بالعلوم وباحثة عن مواطئ أقدام في قمة يكونون فيها متفردين عن الآخرين، هذه قيم ومبادئ تحتاجها كل شعوب المنطقة العربية التي عجزت عن تحقيق ولو اليسير مما حققته الإمارات في أقل من نصف قرن، حولت فيه الطموحات والأحلام لحقائق مذهلة ومبهرة.. هذه هي الإمارات نموذج يستحق أن يُدرّس في المناهج التعليمية، فهكذا وطن يصنع من المستحيل ممكناً يظل نوراً تستلهم منه الأمم والشعوب لتخرج للضوء والحياة.
*كاتب يمني