عندما لا يتحدث عن تآمر الدولة العميقة ضده، يحلو لدونالد ترامب أن يتباهى بما يقول إنها إنجازات حققها في الاقتصاد، زاعماً أنه حقق أشياء غير مسبوقة. والواقع أنه لا شيء من ادعاءاته صحيح. فإذا كان الناتج المحلي الإجمالي والتوظيف قد سجلا نمواً قوياً، فإن اقتصاد ترامب واصل على ما يبدو توسعاً طويلاً بدأ في عهد باراك أوباما.
غير أنه الآن بدأ يبدو كما لو أن ترامب سيحقق شيئاً فريداً من نوعه حقاً: فقد يصبح بالفعل أولَ رئيس في التاريخ الحديث يشرف على ركود يمكن أن يعزى مباشرة إلى سياساته الخاصة، وليس إلى الحظ العاثر.
فالآن، يجتاز الاقتصاد الأميركي تباطؤاً اقتصادياً جزئياً آخر. ومرة أخرى، أخذت الصناعة في الانكماش. والزراعة تتعرض لضربة قوية، شأنها في ذلك شأن نقل البضائع. وبشكل عام، ما زال الإنتاج والتوظيف يواصلان النمو، ولكن حوالي خمس الاقتصاد بات في حالة ركود فعلياً.
ولكن خلافاً لرؤساء سابقين كانوا غير محظوظين لأنهم أشرفوا على فترات تباطؤ اقتصادي لم يكونوا مسؤولين عنها، فإن ترامب هو من تسبب في هذا لنفسه، بسبب قراره شن حرب تجارية شدد على أنها ستكون «جيدة، ومن السهل الفوز بها».
والعلاقة بين الحرب التجارية ومتاعب الزراعة في الولايات المتحدة واضحة: ذلك أن مزارعي أميركا يعتمدون بشكل كبير على أسواق الصادرات، وبخاصة الصين. وبالتالي، فإنهم يعانون كثيراً، رغم حزمة الإنقاذ المالي الكبيرة التي تفوق حزمة الإنقاذ المالي التي قدمتها إدارة أوباما لقطاع صناعة السيارات بأكثر من الضعف (جزء من المشكلة ربما يكمن في أن أموال حزمة الإنقاذ المالي تتدفق بشكل غير متناسب على المزارع الأكبر والأغنى).
قطاع الشحن قد يبدو أيضاً ضحية بدهية عندما تقلص الرسومُ الجمركية التجارةَ الدولية، رغم أنه ليس موضوعاً دولياً فقط، كما أن النقل البري للبضائع بوساطة الشاحنات بات في ركود أيضاً.
غير أن تباطؤ قطاعة الصناعة مفاجئ أكثر. فعلى كل حال، أميركا تسجّل عجزاً تجارياً كبيراً في السلع المصنعة، وبالتالي، فقد يتوقع المرء أن تكون الرسوم الجمركية جيدة بالنسبة للقطاع على اعتبار أنها سترغم المشترين على اللجوء إلى الموردين المحليين. وهذا بكل تأكيد ما اعتقد ترامب ومستشاروه أنه سيحدث.
ولكن الأمور لم تجر بتلك الطريقة. فبدلاً من ذلك، أضرت الحرب التجارية بقطاع الصناعة الأميركي بشكل واضح، بل إنها تسببت له في أضرار أكثر مما توقعه حتى منتقدو ترامب. وقد اتضح أن مقاتلي التجارة الترامبيين أغفلوا نقطتين مهمتين: أولاً، أن الكثير من المصنعين الأميركيين يعتمدون كثيراً على الأجزاء المستوردة ومدخلات أخرى، والحال أن الحرب التجارية تتسبب في اضطرب سلاسل التوريد الخاصة بهم. وثانياً، أن سياسة ترامب التجارية ليست حمائية فقط، وإنما تائهة وغير منتظمة، ما يخلق حالة كبيرة من اللايقين بالنسبة للشركات داخل الولايات المتحدة وخارجها.
وهكذا، أوقع كبير المغردين على «تويتر» نفسه في تباطؤ اقتصادي، وإن لم يكن ركوداً كاملاً تماما، حتى الآن على الأقل. تباطؤ من الواضح أنه سيضر به سياسياً، بسبب التباين القوي بين خطابه والواقع المختلف جداً، ثم إن المعاناة في قطاع الصناعة، يبدو أنها كبيرة بشكل خاص في تلك الولايات المتأرجحة التي فاز فيها ترامب على منافسته بفوارق صغيرة في 2016، ما منحه أغلبية «المجمع الانتخابي»، أوالكلية الانتخابية رغم خسارته في التصويت الشعبي.
وإذا كان كثير من الرؤساء قد وجدوا أنفسهم أمام فترات اقتصادية صعبة مضرة سياسياً، فإن ترامب، كما أسلفتُ، فريد من نوعه على اعتبار أنه فعل هذا بنفسه.
بالطبع، هذا لا يعني أنه سيعترف بالمسؤولية عن أخطائه. فخلال الأشهر القليلة الماضية، كان يحاول وصفَ «الاحتياطي الفيدرالي» (البنك المركزي) بأنه سبب المشاكل الاقتصادية كلها، رغم أن معدلات الفائدة الحالية أقل بكثير من تلك التي تنبأ بها مسؤولوه ضمن توقعاتهم الاقتصادية المتفائلة.
غير أن ظني هو أن مهاجمة «الاحتياطي الفيدرالي» ستُثبت أنها غير فعالة كاستراتيجية سياسية، لأسباب ليس أقلها أن معظم الأميركيين ربما لديهم فكرة فضفاضة، في أفضل الأحوال، عن ماهية «الاحتياطي الفيدرالي» ومهمته. ولكن، ماذا سيحدث الآن؟ لأن ترامب هو ترامب، فيمكن المراهنة على أنه قريباً سيعمد إلى التنديد بالبيانات الاقتصادية المزعجة، باعتبارها مجرد أخبار كاذبة، وشخصياً، لن أُفاجأ لرؤية ضغوط سياسية تمارَس على وكالات الإحصاء من أجل الإعلان عن أرقام أفضل. فإذا حدث ذلك لـ«هيئة المناخ الوطنية»، فلماذا لا يحدث لـ«مكتب التحليلات الاقتصادية» (الذي يخضع لسلطة وزير التجارة ويلبر روس، بالمناسبة)؟
وبطريقة أو بأخرى، سيتضح أن الأمر يتعلق بمؤامرة أخرى من الدولة العميقة، ربما يقف وراءها أيضاً جورج سوروس. الشيء المخيف أن حوالي 35 في المئة من الأميركيين ربما سيصدقون أي أعذار يختلقها ترامب، غير أن ذلك لن يكون كافياً من أجل إنقاذه.
*أكاديمي أميركي حائز جائزة نوبل في الاقتصاد
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/10/03/opinion/trump-economy.html