تحاول وسائل إعلام خارجية مدعومة بقوى إقليمية تصوير الأوضاع الاقتصادية والتجارية في بعض دول مجلس التعاون الخليجي، وبالأخص الإمارات والسعودية والبحرين والكويت، بأنه غير جيد، معللة ذلك بانخفاض أسعار العقار وإغلاق بعض المتاجر، وبالأخص في التجمعات التجارية في محاولة لتشويه الحقائق لدى العامة.
صحيح أن هناك متاجر تغلق أبوابها، ولكنها ظاهرة عالمية تتعلق بالتغيرات التي طالت تجارة التجزئة بفضل التقنيات الحديثة وتجارة الإنترنت، إضافة إلى تباطؤ التبادل التجاري الدولي نتيجة للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين من جهة، وتراجع النمو الاقتصادي العالمي من جهة أخرى.
تأكيداً للقول السابق لنأخذ على سبيل المثال وضع تجارة التجزئة في المملكة المتحدة، حيث أغلق 2868 ألف متجر تقريباً في النصف الأول من العام الجاري وحده، أي بمعدل 16 متجراً في اليوم الواحد، في مقابل افتتاح أكثر من 1634 متجراً جديداً، أي بنقص يبلغ 1234، وهو الرقم الأضخم منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008 وفق دراسة تجارية متخصصة صادرة عن «لوكال داتا كومباني».
الوضع مشابه في معظم بلدان العالم، حيث يعود ذلك إلى النمو السريع للتجارة الإلكترونية، والتي بلغت مبيعاتها 25.3 تريليون دولار العام الماضي، حسب بيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «الأونكتاد»، بما في ذلك تجارة الشركات فيما بينها، حيث يرجع هذا النمو الكبير إلى تضاعف عدد المتسوقين عبر الإنترنت من 600 مليون في عام 2010 إلى 1.2 مليار في عام 2016.
إضافة إلى ذلك، حدث تغيير هيكلي في طبيعة القطاع التجاري، إد ظهرت أنماط جديدة من التجارة الإلكترونية، مثل اقتصاد المنصات والاقتصاد التشاركي والتعاوني وحسب الطلب....الخ، حيث يتوقع أن يستمر هذا التغيير الهيكلي والنمو المضطرد في التجارة الإلكترونية، وهو ما سيجد له انعكاسات على التجارة بشكل عام، وعلى تجارة التجزئة بشكل خاص.
وكما هو الحال في بريطانيا، فإنه في مقابل إغلاق بعض المحال التجارية في دول الخليج العربي، فقد تم افتتاح محال جديدة، وهذا ما يمكن رؤيته في المجمعات التجارية، إذ ربما هناك فارق بين العددين، إلا أن ذلك أمر طبيعي بسبب التغيير الهيكلي الذي أشرنا إليه، والذي طال المكونات الاقتصادية، وبالأخص التجارية منها.
لذلك، فان استغلال ظاهرة دولية عامة ومحاولة تسخيرها لتشويه الأوضاع الاقتصادية من خلال وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي أمر مثير للشفقة، فحبل الكذب قصير كما يُقال، علماً بأن الدول الإقليمية التي تقود الحملة التشويهية ضد الدول الخليجية الأربع تعاني الظاهرة نفسها، وربما بصورة أشد وأكثر تأثيراً بدليل تباطؤ نموها الاقتصادي ومعدلات التضخم العالية لديها.
في الوقت نفسه، لا يمكن لهذه الحملات أن تطمس الحقائق والتقارير المحايدة التي تصدر عن بعض المنظمات الدولية، بما فيها منظمات الأمم المتحدة، حيث أشاد صندوق النقد الدولي في إصداراته الأخيرة حول اقتصادات الشرق الأوسط بالإصلاحات الاقتصادية في السعودية، ونوّه بقوة اقتصاد الإمارات، والذي يحقق معدلات نمو جيدة بشكل عام، وذلك رغم الأوضاع المتقلبة للاقتصاد العالمي والأوضاع غير المستقرة في منطقة الخليج، مما يشير إلى قدرة هذه الاقتصادات على التعامل الناجح والتأقلم مع مختلف التطورات.
معرفة مجمل هذه الحقائق تؤدي إلى التعامل بصورة صحيحة مع هذه التغيرات واستيعابها والحد من تأثيراتها وإصدار الأنظمة والتشريعات التي تتناسب وهذه التغيرات، وهو ما يتم حالياً ويشمل قطاعات مؤثرة، كالتجارة والعقار والصناعة، حيث شكلت مؤخراً في دبي لجنة لتوازن القطاع العقاري، كما أعفت السعودية القطاع الصناعي من بعض الرسوم لتشجيع النمو وزيادة القدرة التنافسية وتشجيع الاستثمار في هذا القطاع الحيوي، ما يشير إلى أن الدول الخليجية المعنية تسير بخطى واضحة وثابتة، لتحقيق رؤاها التنموية غير عابئة بحملات التشويه التي تكلف أصحابها مبالغ طائلة دون جدوى.