إذا كان لدى أي شخص شك، بشأن مدى الارتباك والغضب، بخصوص آلية صنع القرار لدى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فإن أزمة هذا الأسبوع المتصاعدة ميدانياً في شمال سوريا، يفترض أن تكون «الدليل رقم 1»، ضمن قائمة طويلة من الأخطاء والارتباكات الكارثية.
وعلى ما يبدو، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كان غاضباً جداً بسبب عدم تمكينه من عقد اجتماع مع ترامب، رأساً لرأس على هامش الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في سبتمبر الماضي. ومن أجل تهدئة غضبه، قام ترامب بإجراء مكالمة هاتفية معه خلال عطلة نهاية الأسبوع، في يوم السادس من شهر أكتوبر الجاري، قال له فيها إن الولايات المتحدة لن تقف في طريق توغل عسكري تركي في شمال سوريا، من أجل مواجهة القوات الكردية السورية، التي لعبت دوراً أساسياً، إلى جانب العمليات الجوية العسكرية الأميركية، في دحر تنظيم «داعش» الإرهابي هناك، وهي (أي القوات الكردية السورية)، تقوم حالياً باحتجاز وحراسة أكثر من 10 آلاف أسير من «داعش» معتقلين لديها في مخيمات داخل المنطقة.
والواقع، أنه لطالما اعتبرت تركيا الأكرادَ إرهابيين، وتعهدت بتدميرهم بوساطة القوة العسكرية، غير أن ما ثناها عن القيام بذلك حتى الآن هو وجود 2000 جندي أميركي يعتبرون الأكراد حلفاءهم، ولكن ترامب لطالما أراد إخراج كل القوات الأميركية من سوريا. غير أنه بدلاً من عقد اجتماع مع مستشاريه في الأمن القومي، من أجل اقتراح خطة قابلة للتطبيق حول كيفية القيام بذلك، وبتعاون مع كل من الأكراد وتركيا، كل على حدة، أعلن ترامب فجأة من خلال تغريدات على «تويتر»، صباح اليوم التالي، (أي الاثنين 7 أكتوبر)، أن على الجنود الأميركيين أن يشرعوا في الانسحاب، وألا يتدخلوا في حال شنّت تركيا هجوماً على الأكراد في شمال سوريا. وقال ترامب، في تغريدة، له نشرها بهذا الصدد على موقع تويتر: «لقد آن الأوان لكي نغادر هذه الحروب السخيفة التي لا نهاية لها، وأكثرها قبلية، ونعيد الجنود إلى الوطن».
كان ذلك تذكيراً قوياً وخشنا بتقلب سياسته الخارجية والتزامه تجاه حلفاء الولايات المتحدة. وقد مر أقل من عام على استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس، في ديسمبر 2018، بعد أن تناهى إلى علمه أن ترامب يخطّط للانسحاب من سوريا من دون التشاور مع كبار مستشاريه الأمنيين. وكان مستشار الأمن القومي السابق، جون بولتون، قد استطاع لبعض الوقت ممارسة ضغط على البيت الأبيض، من أجل الإبقاء على الجنود الأميركيين في مكانهم، بهدف ردع تركيا وثنيها عن القيام بأي عمل أحادي الجانب.
وغني عن البيان، أن رد الفعل على أحدث خطوة أحادية الجانب لترامب، من قبل العديد من أصدقائه المتشددين داخل الحزب الجمهوري الذي يجمعهم معاً، كان رد فعل سريعاً وقوياً. فهذا حليف ترامب الوثيق «لينزي غراهام» يصف القرار بأنه «خطأ كبير». ومن جانبه، فقد انتقده أيضاً السيناتور «ميتش ماكونل»، وحذّر من أن قراراً كهذا بـ«انسحاب متسرع»، من شأنه أن يخدم فقط مصلحة روسيا وإيران والرئيس السوري بشار الأسد. هذا في حين قالت السفيرة الأميركية السابقة إلى الأمم المتحدة، نيكي هالي، والتي تحظى بالتقدير والاحترام داخل الدوائر الجمهورية، إن ترك حلفاء يموتون «خطأ كبير».
وفي الأثناء، أخذ ترامب يتراجع عن تغريدته الأصلية المشار إليها آنفاً، إذ قال إنه «إذا فعلت تركيا أي شيء أعتبره، بحكمتي العظيمة ومنقطعة النظير، خارج دائرة المسموح به، فإنني سأدمّر الاقتصاد التركي كلياً وأقضي عليه».
ومن المبكر جداً، التكهن بشأن ما سيحدث فعلياً في شمال سوريا خلال القادم من الأيام، بيد أن الضرر قد حدث بالفعل. ذلك أن الرسالة التي يبعث بها موقف ترامب الأخير حيال الأكراد، إلى كل حلفاء أميركا الآخرين وأصدقائها في العالم، من دول البلطيق إلى اليابان وكوريا الجنوبية، إلى دول الشرق الأوسط التي تملك علاقات ممتدة في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية مع الولايات المتحدة.. هي رسالة ذات مضمون سلبي حقاً. ومن نتائج هذه الرسالة كونها تُضعف الحلفاء وتقوّي الخصوم الذين لا بد أنهم يقهقهون، وهم يتابعون الفوضى السائدة في واشنطن، وغياب الاتساق في أي من مبادرات إدارتها، لا سيما في مجال السياسة الخارجية وإدارة العلاقات مع الحلفاء.