تمر أفغانستان بمرحلة مضطربة مع تصاعد أحداث العنف وانهيار محادثات السلام الأفغانية بين الولايات المتحدة وحركة «طالبان». يعد وجود القوات الأميركية في أفغانستان هو أطول ارتباط عسكري أميركي في الخارج حتى الآن، ويتوق الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى متابعة محادثات السلام وسحب القوات الأميركية، بيد أن انهيار المحادثات يجعل أفغانستان أكثر تعقيداً، لأن هذا أدى بالفعل إلى مزيد من العنف، وجعل من الأكثر صعوبة على ترامب أن يفي بوعده بسحب القوات الأميركية من البلد الذي مزقته الحرب.
جدير بالذكر أنه يوجد أكثر من 14,000 جندي أميركي في أفغانستان، وقد أعرب الرئيس الأميركي بالفعل عن إحباطه من الوجود المتواصل لقوات بلاده في أفغانستان. وصرح ترامب مراراً وتكراراً أن الحكومة الأفغانية بعيدة كل البعد عن أن تكون قادرة على إدارة أمنها الخاص في هذه المرحلة والولايات المتحدة تدرك أيضاً أن الانسحاب يعتمد على محادثات السلام مع «طالبان».
خلال العام الماضي، عقد المبعوث الخاص للولايات المتحدة «زلماي خليل زاد» تسع جولات من المحادثات مع حركة «طالبان» وقبل شهر، بدا أن هناك اتفاقاً وشيكاً لكن نشوب جولة من العنف إلى جانب مقتل جندي أميركي أدت إلى انسحاب الولايات المتحدة من المحادثات وإعلان ترامب على حسابه الخاص على «تويتر» أن المحادثات قد انتهت. وأدى ذلك أيضاً إلى إلغاء اتفاق شبه نهائي مع حركة «طالبان»، والذي كان من المخطط أن يُجرى حفل توقيعه في الولايات المتحدة.
من الواضح بعد 18 عاماً من الحملة الفاشلة لتهميش حركة «طالبان» الأفغانية وفقدان الآلاف من جنودها أن الولايات المتحدة تتوق إلى الخروج من المستنقع الأفغاني. ولذلك، فهي تبذل الجهود مرة أخرة لاستئناف المحادثات باعتبارها الخيار الوحيد لانسحاب مشرّف من البلاد. وقد كان المبعوث الأميركي «خليل زاد» في باكستان الأسبوع الماضي للقاء ممثلي حركة «طالبان» لأول مرة منذ إلغاء ترامب لاتفاق السلام الأفغاني. ومن الواضح أن إدارة ترامب في مأزق حول كيفية الخروج من أفغانستان.
ومن ناحية أخرى، فإن الانتخابات الرئاسية التي أجريت مؤخراً في أفغانستان، والتي لم تُعلن نتائجها بعد، لم تمنح الكثير من الثقة. فقد وردت تقارير على نطاق واسع عن انخفاض إقبال الناخبين على مراكز الاقتراع حيث كان الكثيرون منهم قلقين بشأن أمنهم بعد تهديدات «طالبان»، كانت هذه الانتخابات الرئاسية بلا شك مهمة لأنها كانت تُجرى في وقت يشهد تغييرا وشيكا في أفغانستان. وسيتعين على الرئيس الجديد قيادة أفغانستان للخروج من عقود من الحرب، حتى في الوقت الذي لا يُظهر فيه الصراع بوادر على الانحسار. وسيكون للرئيس الجديد دور مهم في التطورات القادمة. وفي إشارة على مدى تعقيد الأمور في أفغانستان، ترفض حركة «طالبان» حالياً التفاوض مباشرة مع الحكومة الأفغانية ورفضت الاعتراف بشرعيتها وشرعية رئيسها. وأكدت الحركة أنها لن تتحدث إلى السلطات الأفغانية إلا بعد إبرام اتفاق السلام.
ومع ذلك، فإن التحديات التي تواجه أفغانستان هائلة. ففي هذا المرحلة، هناك شكوك حول كيفية تشكيل محادثات السلام. ولا يزال هناك عدم يقين بشأن ما سيحدث إذا توصلت «طالبان» إلى اتفاق لتقاسم السلطة مع مخاوف بشأن ما إذا كانت أفغانستان ستعود إلى تطبيق تلك القوانين الصارمة التي أُدخِلَت خلال حكمها السابق فيما يتعلق بتعليم المرأة وقانون الزي الخاص بها.
ومع ذلك، فإن أكبر نكسة لانهيار المحادثات بين حركة «طالبان» والولايات المتحدة كانت لباكستان، التي استثمرت بقوة في المفاوضات نظراً لنفوذها على قيادة «طالبان». وخلف الكواليس، كانت باكستان تلعب دوراً نشطاً في تشجيع «طالبان» على الدخول في اتفاق سلام مع الولايات المتحدة. لم يكن إلغاء المحادثات مفاجئاً لأن الخلافات العميقة بين المسؤولين في إدارة ترامب حول إجراء حوار مع «طالبان» كانت معروفة جيداً. ومن هنا، قدّرت قيادة «طالبان» إعلان ترامب على أنه انتكاسة مؤقتة بسبب تأثير جماعات الضغط في واشنطن، وبالتالي لم تُظهر أي شكوك تجاه الولايات المتحدة بشأن الصفقة.
من الواضح أن الرئيس ترامب يريد إبرام اتفاق مع حركة «طالبان». ولهذا السبب فقد أرسل زلماي خليل زاد إلى باكستان في الأسبوع الماضي لمعاودة الاتصال مع «طالبان». واليوم، لا يوجد أحد في إدارة ترامب يصف «طالبان» بأنها جماعة إرهابية. وعلاوة على ذلك، فإن الإفراج عن 11 من الأعضاء البارزين، بمن فيهم «الشيخ عبد الرحيم» و«مولفي رشيد»، وكلاهما من الحكام السابقين خلال حكم «طالبان»، والأهم من ذلك خروج «إحسان الله»، ابن شقيق «سراج الدين حقاني» نائب زعيم «طالبان»، من السجن في قاعدة باجرام، أحد أكبر القواعد العسكرية الأميركية في أفغانستان هذا الأسبوع، هو علامة واضحة على عزم ترامب الخروج من أفغانستان في أقرب وقت ممكن.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية - نيودلهي