هل اقترب العالم العربي بشرقه وغربه من مخاطر ما يسمى اصطلاحاً «الساعة الحادية عشرة»، أو الأزمات المفاجئة لا سيما في ظل ضبابية المشهد الدولي، ووسط أمواج هادرة من التغيرات الجيواستراتيجية وتحرك قلب العالم، والصراع الإدراكي بين القوى الكبرى، وثقافة المقايضات التي لا ندري أبعادها، والتي تجري في الظلام بين الكبار، وفيها ما يؤلم النفس من أن العالم العربي بات مهمشاً وشعوبه كالأيتام على موائد اللئام، أولئك الذين جزؤوه وقسموه في «سايكس بيكو» الأولى، وها هم يعاودون الكرة مرة أخرى، بعد أن فشلوا في المرة السابقة قبل ثماني سنوات فيما عرف بزمن «الربيع العربي»، والذي أثبتت التجربة التاريخية أنه كان شتاء أصوليا.
لسنا في مجال أدب المراثي أو البكائيات، غير أن الواقع المهترئ يقتضي أن نطرح تلك الأسئلة، ولعله من حسن الطالع وجود عقول عربية خلاقة تقدمية قادرة على توصيف أبعاد المشهد الآني بصدق وموضوعية.
لعل تعبير الساعة الحادية عشرة يفيد بأن هناك أزمات تكاد أن تنفجر مرة، وإلى وقت بعيد، وأنه من غير نوبة يقظة وصحيان حقيقية، فإن المخاطر سوف تتعاظم، وتتحول رياح التهديدات إلى أعاصير عاتية تقلع كل ما في طريقها من استقرار أو دول بشكلها الحالي، وليس سراً الإشارة إلى أن مخططات التقسيم التي أشارت إليها وسائل إعلام مختلفة منذ سنوات تكاد تكون ماضية قدماً. أحدث مشاهد الأزمات المؤرقة للعرب برمتهم في الأيام الأخيرة، ما يجري من حول سوريا، ذلك أنه وقت كتابة هذه السطور تستعد القوات التركية لاقتحام الشريط الشمالي الشرقي من سوريا، في محاولة لتغيير جغرافية وديموغرافية دولة عربية، ولم تكتف تركيا بانها تستولي منذ عقود طوال على منطقة جغرافية سورية تاريخية هي لواء الإسكندرون، اللواء السليب، بل تسعى لقضم المزيد من الأراضي بحجة وجود الأكراد فيها وتأثيراتهم على الأمن القومي التركي، على الرغم من أن القاصي والداني يعلم علم اليقين أن أردوغان ينتهج سياسات مخادعة، فهو من يهدد استقرار المنطقة برمتها، ذلك أن القلاقل التي يمكن أن تنشأ من جراء هذه العملية لن توفر العراق وبقية دول المنطقة، كما أنها ستعطي «الدواعش» قبلة الحياة مرة جديدة، ذلك بعد أن بدؤوا عداً تنازلياً في مساقات الانحدار والانهيار.
أفضل وأعقل الأصوات التي عبرت بصدق عن المأساة العربية الحالية تمثلت في تحذيرات وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية الدكتور أنور قرقاش، والذي أشار في تغريدة له إلى أن التطورات الخطيرة والمحيطة بسوريا ما هي إلا تداعيات للانقسام العربي الحالي.
نعم أجاد الوزير الإماراتي المثقف في توصيف المشهد المتهالك، إذ دول عربية تنهار مؤسساتها وتنتهك سيادتها وغدت مهددة في وحدة ترابها الوطني.
الكارثة العربية لا تتوقف عند سوريا اليوم، هي متفاقمة على أراضي اليمن حيث الاحتلال الأيديولوجي الإيراني، ناهيك عن الدعم اللوجستي المقدم إلى «الحوثيين» بالأسلحة الصاروخية، وما جرى في استهداف منشآت آرامكو يعطي بعداً مخيفاً للتهديدات المحدقة بدول الخليج العربي.
العراق بدوره يئن، ويحاول أن يصرخ في مواجهة الانتماء العقدي والطائفي، ذاك الذي بات يتجاوز الولاءات الوطنية، ما أدى إلى شروخ في جسد دولة الرشيد، صاحبة التاريخ الإنساني الراقي والمبدع، والتي أضحت ثرواتها اليوم مستباحة من كافة القوات الأجنبية على أراضيها، وكأنها باتت ميداناً لحروب الأمم بالوكالة، وربما الأسوأ لم يأت بعد.
لبنان بدوره مختطف من قبل جماعة لا يهمها صالح ومصالح الوطن، بقدر الحفاظ على مكتسبات حققتها بالاغتصاب لا بالتراضي، معتمدة فيها على قوة السلاح، ومهددة الأمن والسلم الأهليين، فلا شيء يهمها سوى مخصصاتها من طهران، وإذ تفتقر الأخيرة من جراء العقوبات الأميركية، لا يضحى أمامها سوى التجبر والتكبر في مواجهة مواطنيها.
الأيادي الخبيثة لا توفر بقية العالم العربي، ولينظر القارئ إلى ليبيا ليعرف أن الفراق هو البديل السائد لأجل طويل في مقاربته للاتفاق، وان الحرب الأهلية الدائرة هناك لا أمل في أن تخمد عما قريب، وطالما بقيت تركيا وقطر وإيران محلقين في المنطقة بأجنحة سوداء، لن تهنأ ليبيا يوما أو بعض يوم.
لا يوفر المحلل المدقق ما يُحاك ضد مصر المحروسة، وقد حاول عملاء الإثم وفعلة حلف الشر الأيام الماضية هز استقرارها من خلال إرهاصات للجماعة الإرهابية عينها، غير أن وعي المصريين أوقف الخوف الأتي من بعيد، ومع ذلك هناك من يحاول شد الأطراف ليعيق نماء وازدهار الكنانة، عبر التهديد بملف مياه النيل من الجنوب، وكأنه ليس مسموحا لمصر أن تنهض.
في الساعة الحادية عشرة، ما من مفر أمام العرب سوى ما أشار إليه الوزير قرقاش من عودة سريعة فاعلة وناجزة للنظام العربي الإقليمي، سيما وأن ما يحدث أمامنا في الحال، هو بذور أزمات مستدامة يرويها الانقسام الحالي في الاستقبال.
هل يصحو العرب مع دقات الحادية عشرة؟
*كاتب مصري