هل أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر لأردوغان لغزو شمالي سوريا بحجة القضاء على تنظيم «قوات سوريا الديمقراطية»، وإقامة منطقة أمنية محددة تحمي بلده مما يسميه الإرهاب الكردي؟ هل أعطت أم لا؟ البلبلة سائدة. لا من جواب نهائي حاسم عند الرئيس ترامب، بل تباين في الأجوبة وحتى الأسئلة. هل كان يجرؤ أردوغان على خوض هذه المغامرة التي نتوقع فشلها من دون ترتيب فصولها مع أميركا؟
وزيرا الخارجية الأميركي، والدفاع، ورئيس الأركان نفوا نفياً قاطعاً أن تكون بلادهم وافقت سلفاً على عدوان تركيا، بل أعلنوا أنهم سحبوا مجموعة من خمسين جندياً أميركياً حفاظاً على أمنهم، ثم صرح ترامب أن هجوم تركيا على شمال سوريا أمر مؤسف لم يوافق عليه، مع احترامه لأمن ذلك البلد. لكن البارز أن اللهجة الأميركية بعد تجاوز أردوغان كل الخطوط تصاعدت حتى التهديد بالعقوبات أذا تجاوزت تركيا خطوط المنطقة الآمنة، بل أكدوا أنهم لم ولن يتخلوا عن حلفائهم الأكراد الذين ساعدوهم على هزيمة «داعش». الولايات المتحدة وجدت نفسها حائرة بين حليفين، أنقرة الشريكة في «الناتو» و«قوات سوريا الديمقراطية»: بل أكثر كأن أميركا بعدما بالغت بدعم الأكراد وتسليحهم وتدريبهم وتسليمهم معدات عسكرية متطورة لمحاربة «داعش» تحاول اليوم إيجاد توازن ما للحؤول دون ارتماء تركيا في أحضان إيران.
لكن إلى أي حد يمكن أن يستمر هذا التوازن إذا خرجت تركيا على التزامها عدم التوغل في شمال سوريا، أبعد من المتفق عليه واكتساح المناطق والتسبب بعمليات تهجير جماعية تؤدي إلى جعل احتلال تركي أمراً واقعاً.
ونظن وأياً تكن خرائط المعارك أنه من الصعب جداً أن تتدخل أميركا عسكرياً، حتى ولو صرح رئيس أركانها أنهم يراقبون مسار الاشتباكات وحدودها، ولن يسمحوا لتركيا بالتمدد أبعد من المنطقة الآمنة. كل ذلك يصدر تباعاً وسط خلافات بين أصحاب القرارات السياسية والعسكرية وحتى ترامب فكأن هذه المصادر نفسها تعاني التباساً وتناقضاً. فبعض حلفاء ترامب في الحزب «الجمهوري» يطالبونه بالتدخل العسكري لمساعدة حلفائهم الأكراد الذين أبلوا بلاء حسناً وبطولياً في القضاء على «داعش».
مسألة فقدان ثقة حلفاء أميركا بها خصوصاً في الشرق الأوسط لا تقتصر على الأكراد فقط، بل على مختلف الفرقاء حتى باتوا يشكون في احتمال مساعدتهم عند الضرورة. هذا الشعور بات شبه سائدٍ شعور القلق من تقلب الولايات المتحدة في مواقفها ومواقعها. حتى إسرائيل باتت متوجسة من سياسة أميركا في المنطقة.. هل ستتخلى عنها عند حاجتهم إليها؟ وها هم الفلسطينيون يعانون تغير مواقف أميركا وانحيازها المطلق إلى إسرائيل في مسألة تهويد القدس كعاصمة لإسرائيل ضاربة بعرض الحائط بكل مواقفهم واتفاقاتهم السابقة. ومن خلال هذه الأجواء القلقة ها هي أميركا تطمئن دول الخليج وتؤكد على علاقاتها الاستراتيجية معها، وذلك بإرسال جنود أميركيين وأسراب من الطائرات والصواريخ والباتريوت والدرون إليها لتشاركها في صدها الاعتداءات الإيرانية عنها وعن أمن الممرات البحرية الدولية لناقلات النفط بحيث يشكل كل هذا ردعاً لمخططات الملالي في استهداف السعودية كوسيلة ضغط على أميركا وأوربا.
أعلنت وسائل إعلامية أن أميركا باعت مؤخراً أسلحة وعتاداً عسكرياً وطائرات للكويت، لكن هذا يبقى ضرورياً لكن غير كاف إذا لم تتوحد جهود العرب كلهم بجيوشهم وأسلحتهم وطاقاتهم لمواجهة الأخطار المحدقة بهم من كل جانب. خمس دول عربية تنوء بنفوذ إيران أو وصايتها أو احتلالها، ثم مطامع تركيا وتدخلها في القضايا العربية. فإيران تحاول تحويل لبنان مستعمرة لها، وتعزيز هيمنتها على العراق ودعم «الحوثيين» في اليمن واحتلال أراضٍ في سوريا. وها هي تركيا اليوم غازية لسوريا وداعمة للإرهاب الذي يعتدي على مصر ومتورطة مع «داعش» و«الإخوان» و«القاعدة» في ليبيا. إنها فرصة العرب لكي يواجهوا مجتمعين كل المشاريع التي تهدد أرضهم وكيانهم وشعوبهم.