من التحديات التي يواجهها المسلمون في عصرنا الحالي، التعامل مع تلك الصورة النمطية حول الإسلام لدى قطاعات غير قليلة من المجتمعات الغربية، والتغلب على آثارها في علاقات الجانبين، حيث لم يستطع العقل الغربي إلى حد الساعة أن يمحو تماماً من ذاكرته تراكمات الماضي، سواء في فكره وثقافته أم في سياساته وخططه.. وهي تراكمات بعضها يعود إلى ما قبل ظهور الإسلام، حسب العديد من الباحثين، وتشمل الغزو الأغريقي والروماني لأرض الشرق، كما يعود بعضها الآخر إلى ظهور الإسلام نفسه بما يحمله من قيم أخلاقية عالية ومبادئ عالمية سامية قادرة على تحقيق الخير للعالم أجمع، فيما يعود جزء آخر من تراكمات الماضي في علاقات الجانبين إلى الفتوحات الإسلامية لمناطق ومجتمعات كانت تحت نفوذ الدول البيزنطية.
وربما كان لأطروحات المفكر الاستراتيجي الأميركي الراحل صموئيل هنتجتون، لاسيما في كتابه الشهير «صِدام الحضارات»، والتي طالب فيها الغرب بالتصدي للإسلام ومواجهته، صدى لدى بعض الأوساط الفكرية والثقافية في نخب الدول الغربية، خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة إثر سقوط المعسكر الاشتراكي (الشرقي) بوصفه المنافس والعدو الأول للمعسكر الرأسمالي (الغربي). ومن ذلك فقد وجدنا بعض مثقفي اليمين يعلنون انطلاق «حرب باردة جديدة»، لكن مع العالم الإسلامي هذه المرة وليس مع الشيوعية! وأقرب مثال على ذلك النوع من المواقف اليمينية المتطرفة كتاب «الإسلام والغرب بين التعاون والمواجهة»، لمؤلفه جراهام فوللر، والذي زعم فيه «أن الخطر الإسلامي على مدى ألف عام مثّل المشكلة الاستراتيجية الأساسية التي تواجه الأوروبيين»، ليضيف قائلا: «إن الاهتمام المستجد بالعلاقات بين الإسلام والغرب يعكس إمكانية نشوء (حرب باردة) جديدة على طول الخطوط الطائفية بين الثقافات والتصورات».
ويقول اليكس جوزافسكي في كتابه «الإسلام والمسيحية»، والذي صدرت ترجمته العربية ضمن السلسلة الكويتية «عالم المعرفة»، إن كثيرين في الغرب «ما زالوا أسرى أهوائهم الدينية والمذهبية نحو عالم الإسلام».
ومن المؤكد أن هناك مجموعة كبيرة من الكتاب الغربيين أنصفوا الإسلام والعرب والمسلمين في كتاباتهم وبحوثهم الغنية حول العلاقة بين الجانبين، مثل المستشرقة الألمانية «زيغريد هونكه» التي كتبت في كتابها الشهير «شمس العرب تسطع على الغرب»، أن «الرابطة القوية هي التي تجمع العرب بالألمان في الفكر والثقافة، وهذه الرابطة تمتد جذورها في التاريخ».
كما كتب باحث غربي آخر قائلا: «إن حقبة حكم المسلمين لإسبانيا على مدى ثمانية قرون كانت واحدة من أعظم حقب الحضارة ومراحلها ثراءً وإشراقاً في كل أنحاء أوروبا، حيث كانت الحياة زاخرة بالثراء الثقافي والفكري والتجاري.. الأمر الذي لولاه لضاع الأدب اليوناني الكلاسيكي ولاندثرت الفلسفة اليونانية القديمة كلها».
ولعله في مواقف هؤلاء وغيرهم من دعاة حوار الحضارات، لا صدامها، ما يرفد العلاقات الغربية الإسلامية الحالية بكثير من ماء الحياة وأسرار البقاء والتطور.