لبنان دولة رهينة لـ«حزب الله»، دولة اختطفها حزبٌ طائفيٌ إرهابيٌ ووضع كل مقدراتها وشعبها وحكومتها في خدمة أجندة خارجية، ومعه تيار رئيس الجمهورية ميشيل عون الذي مثّل الغطاء المسيحي لخطف الدولة اللبنانية.
الدولة اللبنانية ليست بعيدة من التحول إلى دولة فاشلة؛ فاقتصادها يعاني بشكل غير مسبوق، والتوازنات السياسية فيها تمّ التلاعب بها، ونوعية رجالات الدولة فيها تراجعت بما لا يقارن بتاريخ لبنان، وسيطرة الفساد والفاسدين أصبحت في مرحلة لا تحتمل.
أحد أبرز ما يميز مظاهرات لبنان الحالية هو أنها بلا شعارات سياسية أو دوافع سياسية معلنة، فهي تعبّر عن سخط الشعب اللبناني بكل طوائفه وانتماءاته وأحزابه على الطبقة الحاكمة وتوازنات الساسة وتحالفات القوى السياسية والفساد المستشري والعجز شبه الكامل عن مواجهة «حزب الله» واختطافه للدولة.
ومن أبرز ما تشير له هذه المظاهرات هو أن العقوبات الأميركية القاسية قد بدأت تؤتي أكلها في التأثير على «حزب الله» اللبناني الذي يبدو أنه، كما صرّح سمير جعجع، قد بدأ يفقد السيطرة على جزء من قاعدته الشعبية، ولا أدل على هذا من مشاركة بعض المناطق الشيعية في هذه المظاهرات، وبعضها مناطق نفوذ تقليدية لـ«حزب الله» وحليفته حركة «أمل».
المظاهرات في لبنان تتسع حتى الآن، وتحديداً بعد التصريحات غير المحسوبة لزعيم «حزب الله» ولوزير الخارجية جبران باسيل، والتي اختارت التصعيد ضد المتظاهرين والتهديد الصريح والمبطن بالذهاب بالبلاد إلى الفوضى والإرهاب.
لبنان أمام لحظةٍ تاريخيةٍ مهمةٍ، فإن توسعت المظاهرات واستمرت فسيكون على «حزب الله» وحليفه التيار العوني أن يعيدوا حساباتهم. والخطير هو أن يتوجه «حزب الله» إلى ما يحسنه ولا يحسن غيره، وهو نشر الفوضى والإرهاب ضد المواطنين وقتل المدنيين واغتيال المعارضين وإظهار وجهه البشع ضد شعبه ومواطنيه خدمةً لمشروع خارجي إقليمي.
لقد بدأت الأحزاب والمليشيات الطائفية في العالم العربي تنفضح واحدة بعد الأخرى؛ فبالأمس فضح الشعب العراقي التيارات والأحزاب التي تخدم مصالح قوى إقليمية داخل العراق، وإن أدى ذلك لقتل الشعب العراقي بأبشع الطرق. والمشهد يتكرر ثانية في لبنان حيث يبدو «حزب الله» وهو يتجهز لنشر الفوضى والإرهاب داخل لبنان، ويرفض أن يعتق الدولة اللبنانية الرهينة بأي شكلٍ من الأشكال.
«حزب الله» صبر عقوداً حتى أحكم سيطرته على الدولة اللبنانية، ولن يتحرر لبنان من سيطرته إلا بعمل جادٍ وحاسمٍ يتسم بالصبر والاستمرار لفترة ليست بالقصيرة، وهذه مهمة الشعب اللبناني الذي تعب حقاً من اختطاف دولته ومصالحه وحكومته ومن إخضاعه لإرادة الحزب لكي يعيش في حالةٍ من الفقر والعوز الدائم.
لن تنجو الدولة اللبنانية ولن ينجو الشعب اللبناني ما لم يصبح الانتساب لـ«حزب الله» عاراً يتبرأ منه كل اللبنانيين، والشيعة منهم تحديداً، لأن أي أمرٍ دون ذلك سيكون مجرد اعتراض ينتهي بشكل سريع ومجرد مسكن لا علاجاً، والداء العضال لا ينتهي بالمسكنات بل بالعلاج الناجع.
يبدو من كلمة حسن نصر الله أن حزبه ليس جاهزاً بعد للرد على تظاهرات بذلك الانتشار والتوسع اللذين شاهدناهما، لكنه دون شك يرص صفوفه ويشد تنظيمه ويتجهز بكل قوته للرد بشكل قاس ودموي على مطالب الشعب اللبناني عبر محاولة إخضاعه بالقوة مجدداً حتى يبقى رهيناً لأجندته الإقليمية.
للأسف الشديد تاريخ لبنان الحديث وتوازناته السياسية الهشة لا توحي بإمكانية الحفاظ على الطابع السلمي لمظاهراته؛ فثمة الكثير مما يمكن أن يدفع باتجاه حرب أهلية جديدة أو استسلامٍ كامل لـ«حزب الله».
وأخيراً، فربما لا يكون للبنان دورٌ كبيرٌ في صراعات المنطقة، لكن الشعب اللبناني يستحق أن يستعيد دولته وأن يحمي مصالحه وأن يعود إلى عمقه العربي.