تتواصل المظاهرات والاحتجاجات الشعبية في لبنان، منذ 17 أكتوبر الحالي، تعبيراً عن مطالب شعبية تراكمت جراء إرث من السياسات الاقتصادية الخاطئة، من بطالة (تصل 35%)، وغلاء معيشة، وسوء خدمات عامة. هناك غموض حول الموقف بعد انتهاء المهلة التي أعلنها رئيس الوزراء سعد الحريري، بيد أن هذه المظاهرات تمثل تهديداً لسلطة «البارونات» التقليدية، التي اعتادت التحكم في مقاليد الحكم بلبنان، مما يمثل خطراً على نفوذ «حزب الله»، المعرقل والمعطل لثلثي الحكومة، والذي ترك آثاراً سياسية واقتصادية ضارةً، لا سيما بتأخيره تشكيل الحكومة وقتاً طويلاً.
المتظاهرون رددوا هتافات مناهضة لحركة «أمل» أيضاً، ولزعيمها نبيه بري رئيس البرلمان، ولأمين عام ميليشيات «حزب الله»، الذي رفض في كلمته تقديم حكومة سعد الحريري استقالتها، محاولاً جلب الحريري إلى صفه، بغية عزل وليد جنبلاط وقوى سياسية أخرى عن عملية إدارة الحكم. وقد لوّح نصر الله بالدفع بأنصاره إلى الشارع حال سعي خصومه للمطالبة بإنهاء «عهدة» الرئيس ميشل عون المتحالف معه، وذلك في تهديد مبطن هدفه إرهاب اللبنانيين بسلاح ميليشياته، إن خرجت الأمور عن السيطرة! لذلك يحذّر المراقبون من إمكانية قمع «حزب الله» للاحتجاجات في لبنان، على غرار ما حدث في العراق، والذي يتشابه إلى حد ما في وجود ميليشيات مرتبطة بأجندة إقليمية. نصر الله في كلمته يخاطب القوى السياسية أن «لا تضيعوا وقتكم، لن يسقط (العهد)». كلام موجه للقوى السياسية التي تريد في هذا الوقت السيئ خوض معركة إسقاط «العهد».
أحد المتظاهرين في مدينة النبطية في الجنوب، حيث معقل «حزب الله»، يقول: إننا نعاني منذ 30 سنة من الطبقة السياسة الحاكمة، ويحاولون تصويرنا على أننا غوغائيون، لكننا نطالب بحقوقنا.
وفيما يخص سبب تفجر الوضع في لبنان هذه الأيام، فإن زعماء البلاد، باستثناء الحريري، كانوا زعماء حرب، وقد كونوا أحزاباً في خضم الأحداث السابقة، حين مارست المملكة العربية السعودية ضغوطاً قوية على أطراف الحرب الأهلية لجمعهم في مؤتمر الطائف، الذي أنهى الحرب. أمراء الحرب فيما بعد صاروا قادة أحزاب وزعماء طوائف، استفادوا من السلطة ومن المساعدات العربية والغربية التي ترد إلى لبنان. لكن بعد فترة، ولأسباب موضوعية، بدأت الدول المانحة تعرض عن تقديم المساعدات.
وكما بدأ «حزب الله» يعاني من تقلص الدعم المقدم له من داعميه الإقليميين، لا سيما بعد أن تم تصنيفه منظمة إرهابية من قبل أميركا، التي فرضت عقوبات على عدة أطراف مرتبطة به وقامت بتجميد أموالها، بينما وضعت عناصره وتجارته تحت طائلة العقوبات الدولية. وبعد تقلص وارداته من المساعدات العربية والغربية، بسبب مشاركة «حزب الله» في حكومته، لجأ لبنان إلى فرض حزمة من الضرائب، ورفع سعر الوقود مرتين. إن الزعماء الذين يكسبون من الدولة اللبنانية تأثروا بالعقوبات، مما اضطر الحكومة لإعلان فرض ضريبة جديدة، على الإنترنت أصابت الوضع في مقتل، حيث لا يستغني الناس عن التواصل، كما لا يستغنون عن حاجتهم للطعام والشراب. وبالطبع ستتوقف الحكومة فرض هذه الضريبة، وستلبي حاجيات أخرى لطمأنة الشارع الحانق عليها!
هل يمكن الرهان على صبر المتظاهرين واستمرارهم في التظاهر، أو على ثبات الحكومة وصبرها، لا سيما أنه قد سبق للمتظاهرين أن نزلوا للشارع محتجين ثم ملوا ورفعوا خيامهم وعادوا!؟

*سفير سابق