برز فضيلة الشيخ الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ومفتي مصر سابقاً، بنموذجه المتفرد بين كوكبة العلماء الجادين، في سعيهم لإظهار الحق، وتغليب قوى الخير، في الوقت الذي تجنح فيه ألسنة الجماعات الإسلامية المتطرفة، إلى اختطاف التراث الفقهي، ونصوصه الشرعية، وتحويرها فيما يصب بمصالحهم الحزبية والشخصية.. ليسطع الدكتور جمعة بعلمه الوافر العامل بكل ما أوتي من إخلاص وإيمان برسالة الإسلام السمحة، لنثر أريج الشريعة الإسلامية، من الكتاب والسيرة النبوية العطرة، في نشر تعاليم الدين السليمة، بالسياق الذي خلق ليكون له، سياق الرحمة والتسامح والحوار.
ولابد أن ما يدعو له الشيخ جمعة يعتبر انعكاساً صريحاً لإدراكه العالي، لحال المجتمعات، وما تؤول إليه، إذ ترتكز خطاباته على الدعوة لفهم جوهر الإسلام، ومعرفة أسرار رسالته، والوقوف على المقاصد والغايات السامية، واستثمار ذلك من خلال تطبيقه وفق مستجدات العصر ومتطلباته، سعياً لمواجهة التحديات المعاصرة، ويثني على ما يوفره من بقاء حلقة التواصل المفتوح بينه وبين فكر المجتمعات، وتساؤلاتهم من خلال مبادراته المتميزة، الموسومة بـ«عبادة الله، عمارة الأرض، تزكية النفس». لينادي برسالة صريحة للتجديد الفقهي والإصلاح الديني.
وقد تميز الدكتور علي جمعة بمنهجه المجدِّد، في مواجهة متطلبات العصر، وبانطلاقه الشجاع المشبع بالعلم والمعرفة، والتكوين الذي يؤهله لأداء هذه المهمة على أحسن وجوهها. وقد شهدنا ذلك خلال حديثه حول «الفوضى الخلاقة»، حين قال: «إننا في عالم يدعو إلى ما يسمى بالفوضى الخلاقة، وهذا مشروع يراد تنفيذه وليس هناك من يستطيع أن يقف ضده، فهم يريدون تنفيذه يريدون تنفيذه، ما فيش فايدة. وما الفوضى الخلاقة؟ يجب علينا أن نناقش كل شيء! وماذا تعني بكل شيء؟! كل شيء، المسلمات، والبديهيات، والفتاوى، والأقضية، وأحكام القضاء.. كل شيء، ليس هناك مقدس، بل إن كل شيء مدنس!».
وفي مقابل ذلك، وانطلاقاً من مواجهة العقبة الفكرية المتشابكة، فإن له من الركائز ما ينوء بتطرف أولي القوة «المزيفة»، إذ ينادي بضرورة الحفاظ على مقومات الوحدة الوطنية، باعتبارها الأساس المستهدف لمرات متتالية، مما يؤكد ضرورة التشبث بها والعض عليها بالنواجذ.
وكانعكاس لكم التسامح والتعايش اللذين يريدهما بين الأفراد والمجتمعات، يقول الدكتور جمعة خلال مبادرته في لم شمل أبناء وطنه مصر: «هذه مصر.. التي نجتمع فيها، برجالها ونسائها، بمسلميها ومسيحييها، بعلمائها وأدبائها وشعرائها ومفكريها.. هذه مصر.. ونحن في وسط اللجة في وسط البحر ولكن في سفينة واحدة اختلفنا أو اتفقنا كنا على أنواع أو كنا على قلب واحد، لكن القضية هي قضية الحياة، قضية المصلحة، قضية من أنت وأين أنت؟». وبذلك يواصل السير على قواعده الرصينة واضعاً المرأة ضمن الركائز الهامة، مشيراً لكونها نصف المجتمع، ووالدة للنصف الآخر، فهي مصنع الحياة، وبذرته الأولى.
ويستمر الدكتور جمعة في نهجه الواعي، داعياً منابر الإعلام، للالتزام بمواثيق الشرف التي توسم على صدر كل من يدعى «صحفياً حراً»، لضرورة هذه القوة الناعمة في ترسيخ عماد النهضة المنشودة، في مقابل التخلف ونشوب النزاعات، إن سارت خلف الجهات الممولة، وتناست ما عليها من مسؤولية.
وللدكتور الشيخ علي جمعة، منهجية ساطعة بين المناهج التي تتسارع في البروز، إذ يعتبر منهجه مبنياً على ركيزة علمية، وفهم مدرك ورؤية ثاقبة للمستقبل المنشود للمجتمعات كافة، ذلك أن الاستناد إلى قيم وركائز الدين، التي لن تنال منها تحريفات مجاميع التطرف، يؤول بلا شك إلى مستقبل جديد واعٍ ناضج الفكر، ومتزن الأداء، يجعل من الفهم النقي أولاً ثم قيم التسامح والتعايش بين مختلف المكونات المجتمعية، والوئام الوطني.. قاعدةً راسخةً للحاضر والغد، لتعيش على خيراتها البشرية، وتنهل من فضلها العقول، ويجري استثمارها في ما سيأتي.