عُقد منتدى الاتحاد الرابع عشر يوم الأحد قبل الماضي متزامناً مع اليوبيل الذهبي لصحيفة «الاتحاد» العزيزة، التي تعد ذاكرة التجربة المتفردة لدولة الإمارات العربية المتحدة. وقد أصبح انعقاد المنتدى سنوياً وانتظام هذا الانعقاد تقليداً راسخاً لا نظير له في الصحافة العربية من زاوية أنه يجمع كُتاب الرأي في الصحيفة لمناقشة واحد من الموضوعات المهمة محلياً وعربياً ودولياً، وقد كان منطقياً أن يكون موضوع المنتدى لهذا العام «الأخوّة الإنسانية.. رؤية الإمارات لعالم متسامح» في العام الذي اختارته الإمارات عاماً للتسامح خاصة، وقد توج هذا العام بإنجاز «وثيقة الأخوّة الإنسانية»، التي وقعها كل من بابا الكنيسة الكاثوليكية، وشيخ الجامع الأزهر لتكون «تحقيقاً للمستحيل» وفقاً لكلمات البابا كما نقلها عنه المستشار محمد عبد السلام، المستشار السابق لشيخ الأزهر والأمين العام للجنة العليا للأخوّة الإنسانية وضيف شرف المنتدى، والواقع أن من حق دولة الإمارات أن تكون فخورة بتجربتها الإنسانية في هذا الصدد، وهي التي يعيش على أرضها من بنى البشر من ينتمون لنحو مائتي جنسية في تآلف تام وتوادٍ وتراحم غير مسبوقين، وقد تضمن المنتدى كالعادة جلسة افتتاحية حظيت بكلمتين ضافيتين من كل من الأستاذ حمد الكعبي رئيس التحرير والمستشار محمد عبد السلام، وثلاث جلسات عمل قُدمت فيها ثمان أوراق وثلاثة تعقيبات عالجت كلها الموضوع من جوانبه كافة.
وفي المداخلة التي أسهمتُ بها في الجلسة الثانية، أشرت إلى أن أروع ما يميز التجربة الإنسانية لدولة الإمارات هو صدقها بمعنى أنها تجمع بين القول والفعل، أي أنه ليس ثمة أدنى فجوة بين ما يُرفع من شعارات عن التسامح والأخوّة الإنسانية، وبين ما هو حاصل على أرض الواقع، وقد رويت نقلاً عن صديق عزيز مصري مسيحي عمل في الإمارات لسنوات عديدة كيف أنه لم يكن يصدق نفسه وهو يرى البلد الذي يعمل فيه يستضيف قداسة البابا الراحل شنودة ويحيطه بهذا القدر من التكريم والتبجيل ثم وهو يرى حكومة هذا البلد حريصة على بناء كنيسة للأقباط الأرثوذكس يمارسون فيها شعائرهم تماماً كما يحظي غيرهم من أتباع الديانات الأخرى بدور عبادتهم، وقد تضمنت مداخلتي أيضاً إشارة إلى مسألة أحسب أن الاهتمام بها واجب وهي ضرورة العمل الجاد والحثيث على نقل الإنجاز العظيم الذي تحقق بالتوصل إلى وثيقة الأخوة الإنسانية التي وضعها محمد السماك، الخبير اللبناني المتخصص في حوار الأديان، خلال ورقته بالجلسة الأولى في مرتبة أعلى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من مستوى النخبة إلى مستوى المواطن العادي في كل بلد من البلدان لأن نخبوية الوثيقة قد تحد من امتداد تأثيرها بحيث يشمل المجتمع دون استثناء. ومن هنا فإن جهداً كبيراً لا يقل عن الجهد الذي بُذل في التوصل إلى الوثيقة يجب أن يُكَرس لنقل معانيها إلى المواطن العادي وحثه على التمسك بها واعتبارها معياراً لسلوكه، ويجب أن تتضافر في هذا الجهد المؤسسات الدينية السمحة كافة وكذلك جميع المؤسسات التعليمية والإعلامية المستنيرة، وقد عززت الأستاذة هيلة المشوح وجهة النظر هذه في تعقيبها على مداخلتي بأمثلة أخرى من مجتمعها.
وقد اختتمت مداخلتي باقتراح إصدار تقرير سنوي عن حالة التسامح في العالم، يرصد التجارب الإيجابية والسلبية معاً فيما يتعلق بالتسامح الإنساني، وربما يتجاور هذان النوعان من التجارب في حادثة واحدة كما في الحادث البشع لإطلاق النار على مسجدين في مدينة كرايستشيرش في نيوزيلندا في مارس الماضي الذي راح ضحيته عشرات الأبرياء من ناحية وردود الفعل بالغة الإنسانية لرئيسة وزراء البلاد التي أثارت إعجاب الجميع واحترامهم من ناحية أخرى، فمن الأحداث المناقضة لروح التسامح الإنساني وتلك المعززة لها يمكننا أن نضع أيدينا على مواطن الضعف والقوة في خريطة التسامح العالمي، ومن ثم العمل على استكشاف السبل كافة لاجتثاث التعصب وتعزيز التسامح، وكل عام ومنتدى «الاتحاد» بخير.