في مثل يوم أمس، آخر أيام شهر أكتوبر عام 2011، أعلن صندوق الأمم المتحدة للسكان أن عدد أفراد الجنس البشري قد وصل إلى 7 مليارات، أي سبعة آلاف مليون شخص، ليعتبر هذا اليوم عن جدارة يوماً تاريخياً في رحلة الإنسان على سطح كوكب الأرض. هذا الإنجاز -إنْ صح التعبير- وغير المسبوق بين الكائنات الحية، باستثناء القليل من أصنافها مثل الحشرات، والكائنات الدقيقة كالبكتيريا، والفيروسات، والطفيليات، تحقق معظمه في خلال القرنين الماضيين فقط. فمنذ عصر إنسان الكهف وحتى بزوغ فجر الإمبراطورية الرومانية، لم يتخط عدد أفراد الجنس البشري 100 مليون، أي عُشر مليار فقط. وحتى في الفترة الممتدة من الإمبراطورية الرومانية، مروراً بالعصور الوسطى وحتى بدايات الثورة الصناعية، لم يكن عدد أفراد البشر يزيد على 250 مليوناً، أي ربع مليار فقط. ولكن مع بدايات القرن التاسع عشر وصل عدد البشر لمليار للمرة الأولى، وسبعة مليارات عام 2011، مع التوقع ببلوغه 9.3 مليار بحلول عام 2050، وإلى 10.1 مليار بحلول عام 2100. وهو ما يعني أن عدد البشر احتاج إلى ثمانية عشر قرناً، ليزداد من 100 مليون إلى مليار، ولكن في غضون القرنين الأخيرين فقط تضاعف عدد البشر سبع مرات، ليصل إلى سبعة مليارات، وبزيادة مقدارها ستة مليارات في مئتي عام، وبنهاية القرن الحالي سيتضاعف العدد نفسه مرة أخرى عشرة أضعاف، ليصل إلى عشرة مليارات.
وتسببت هذه الزيادة السكانية الهائلة، أو الانفجار السكاني البشري في ضغوط شديدة وغير مسبوقة على المصادر الطبيعية بأنواعها المختلفة، وخصوصاً المصادر الغذائية التي أصبح المطلوب منها أن توفر غذاء يومياً للمليارات، بما في ذلك مصادر الأغذية البحرية. فالملاحظ خلال السنوات والعقود القليلة الماضية، تعرض البيئات البحرية لضغوط شديدة، مصدرها الأساسي النشاطات البشرية، وخصوصاً الصيد الجائر والتلوث البيئي. صحيح أن الأبحاث والدراسات تشير إلى إمكانية استعادة مناطق الصيد حيويتها وتوازنها، خاصة في ظل إدارة واعية وسياسات فاعلة، لكن للأسف يتم حالياً حصد المأكولات والأطعمة البحرية من خلال ممارسات غير مسؤولة، تُغير وتُدمر البيئات البحرية، ما أدى بالتبعية إلى انخفاض واضح في مخزوناتها من الأسماك، حيث تظهر البيانات أن 85 في المئة من مناطق الصيد حول العالم قد تم استنزاف مصادرها، بوتيرة تتخطى حدود قدرتها على الاستدامة. وبالنظر إلى أعداد البشر الحاليين، والزيادة المتوقعة في أعدادهم خلال السنوات والعقود القادمة، وما سيتطلبه ذلك من كميات أكبر من الغذاء البحري والأرضي، أصبح من الضروري إدارة المصادر البحرية بشكل يحقق الاستدامة، إذا ما كان للجنس البشري أن يحافظ على واحد من أهم مصادر الغذاء الإنساني، وربما من أفضلها على صعيد القيمة الغذائية والصحية.
وبالتبعية أدى هذا الاستنتاج، المنطقي والواضح، إلى ظهور حركات شعبية دولية، مثل مبادرة الأطعمة البحرية المستدامة (Sustainable Seafood Movement) والتي بدأت منذ عقد التسعينيات، وتم تفعيلها من خلال سبل التسويق الاجتماعي، وبالتحديد عبر زيادة الوعي المجتمعي بالاعتماد على ما يعرف بالعلامات البيئية (Ecolabel) ومن خلال التعاون بين منظمات المجتمع المدني غير الحكومية، ومؤسسات وشركات القطاع الغذائي، لمنح الفرصة للمستهلك باتخاذ قرارته الاستهلاكية بناء على دراية ومعرفة بالجوانب البيئية، ما سيساعد على الحفاظ على الكائنات الحية التي تشكل مصدراً مهماً للغذاء، والحفاظ أيضا على التنوع البيئي في هذه البيئات، ما يضمن استمراريتها واستدامتها.
فقدان مثل هذا التنوع البيئي، أصبح يطلق عليه ظاهرة تصحر البحار والمحيطات. فرغم أن التصحر في مدلوله العام يُعنى بالأراضي الصلبة أو اليابسة، فقد أصبح يستخدم مؤخرا، لوصف المناطق من البحار والمحيطات، التي أصبحت غير ملائمة أو مناسبة لحياة الكائنات البحرية، نتيجة تدهور الظروف الطبيعية، مثل تلوث الماء، وتلوث القيعان، وبقية الأراضي المحيطة بالبيئة المائية المعنية. وبالنظر إلى الأهمية التي تشكلها المسطحات المائية من بحار ومحيطات، كونها مصدراً مهماً لجزء لا يستهان به من السلسلة الغذائية التي يقبع البشر على قمتها، وكونها أيضاً مصدراً للعديد من المصادر الطبيعية والسلع، التي تشكل عماد المبادلات التجارية بين العديد من المجتمعات والدول، أصبحت مشكلة تصحر البحار والمحيطات، ونضوب أشكال وأنواع الحياة في مساحات واسعة منها، مشكلة دولية بكل المقاييس، تطال تبعاتها الجميع دون استثناء، وهو ما يتطلب تعاوناً دولياً، بداية على صعيد الأبحاث والدراسات التي تحدد وتتعرف على أسباب تفاقم وانتشار هذه الظاهرة، ثم اتخاذ الإجراءات، وتفعيل التدابير اللازمة للحد من تبعاتها وآثارها السلبية، وخصوصاً تلك المعنية بالحد من ممارسات الصيد الجائر.