تابعت التحليلات المختلفة لمعظم القنوات الإعلامية، عن ما يجري في الشوارع بلبنان، فكلمة السر الوحيدة هي أن الكل موجوع.
لا نعلم إن كان هذا الألم يمكن تقسيمه على مختلف فئات الشعب، الذي خرج في الميادين بالتساوي أو لا؟ ولكن المشهد كان يمثل فعلاً الفسيفساء اللبناني بحق، هذا الموزاييك وهذه السينفونية الحضارية هي لبنان بحق وحقيقة طبيعة تكوينه الطائفي، والذي لملم اتفاق «الطائف» شمله، بعد أن كادت تضيع مميزاته الفريدة بين القبائل، هذا البعد الأنيق والعميق للبنان.
التشخيص الحقيقي لأزمة لبنان، يبدأ بالضغط من أجل معرفة حقيقة اختفاء أموال من البنك المركزي، والكشف عن استفادة بعض المتنفذين من أرباح الودائع في البنك المركزي، والتي تقدر بـ 2 مليار دولار.
ومن ثم، الحديث المفصل حول ميزانية الحكومة اللبنانية، والتي تقدر بـ 15 مليار دولار، مقسمة كالتالي: 5 مليارات رواتب الموظفين، و5 مليارات أخرى للخدمات، و5 مليارات الأخيرة تذهب لشراء الوقود عبر الوسطاء، الذين يستفيدون من عمولات سنوية تقدر بـ 700 مليون دولار.
والذي يؤكد تجذر هذا الوضع، ما جاء في كلمة الرئيس اللبناني، ميشيل عون، حول الأوضاع في لبنان: «التزمت بمحاربة الفساد منذ تسلمي الولاية الرئاسية، طموحي هو التخلص من العقلية الطائفية التي تقف خلف كل المشاكل، ومحاسبة كل من سرق المال العام، ويجب كشف كل حسابات المسؤولين، ويجب الثقة بالقضاء لمحاسبة الفاسدين، أدعو البرلمان للتعاون لإقرار قوانين مكافحة الفساد، وأؤيد مطلب الشعب باسترجاع الأموال المنهوبة، الورقة الإصلاحية خطوة أولى لإنقاذ لبنان، وهي إنجاز للمتظاهرين، تغيير النظام لا يتم بالساحات ولكن عبر المؤسسات الدستورية، مستعد للقاء ممثلين عن المحتجين، وهناك تخوف من الانهيار الاقتصادي، والحوار هو الوسيلة الأفضل للإنقاذ».
ولم يخالف الحريري، قبل تقديمه استقالته، هذا النهج، فقد أصدر توجيهات بشأن مشروع قانون استعادة الأموال المنهوبة.
أما الحديث عن الناتج المحلي الإجمالي، فقد ذكرت الـ«BBC»، في تحليل لها، أن نسبة ديون لبنان إلى الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 152%، وهو ما يجعلها في المركز الثالث بين الدول الأكثر مديونية في العالم بعد اليابان واليونان.
وأصبحت قطاعات، مثل المواصلات والطاقة، بحاجة إلى إصلاح شامل، خاصة شبكة توزيع الكهرباء المهترئة، لأنها في حالة ميؤوس منها، إلى درجة أن حلفاء جماعة «حزب الله» في المنطقة استغلوها سياسياً، هذا هو الوجه الأول للأزمة التي يمر بها لبنان منذ سنوات حتى حانت ساعة المظاهرات.
ما هي خطة هذا «الحزب»، الذي ينسب نفسه إلى الله، بعد العديد من الممارسات في الثلث المعطل للحكومة، التي كلما أرادت التحرك نحو المستقبل يأتي العطل من ذلك الحزب بالتحديد، رغم وجود عشرات الأحزاب المشاركة في الحكم.
منذ سنوات عدة، وعدَ هذا «الحزب» الشعب اللبناني، ليس بالعيش الرغيد والاستقرار المستدام، بل باتشاح بيروت بالسواد آجلاً أو آجلاً.
منذ اليوم الأول للأزمة، هدد «حزب الله» بأنه إذا نزل إلى الشارع، فلن يترك الساحة وهو خالي الوفاض، وفي يوم الخميس قبل الماضي، اقتحم مسلحون من حركة «أمل» و«حزب الله»، ساحة رياض الصلح، وسط بيروت، في محاولة للاعتداء على المتظاهرين.
وتسلل المسلحون، الموالون لحركة «أمل» و«حزب الله»، إلى باحة الاعتصام، ورفعوا شعارات مؤيدة للحزب، قبل وقوع صدامات أثناء محاولة المحتجين التصدي لهم، وتحدثت التقارير عن حدوث إصابات وحالات إغماء جراء المواجهات بين الطرفين، وهذه ليست المرة الأولى التي يتعدى فيه مناصرون لـ«حزب الله» و«حركة أمل» على المتظاهرين، وبالمقابل كان أفراد الجيش اللبناني يقبلون رؤوس الأمهات أثناء التظاهرات؟!