منذ احتلال العراق عام 2003، طلت الطائفية المقيتة برأسها المخيف مقنّعةً بألف قناع وقناع، وظهرت على شكلها القبيح بأكثر من اسم، وفي أكثر من عاصمة عربية، وتأجج الصراع المذهبي والعنصري، وطفا الصوتُ الطائفي على السطح، وطغى على الهويات الوطنية.
ويبدو أن هذه السمات الطائفية، وجدت ضالتها في الظروف التي أوجدها ضعف الدولة الوطنية، وتآكل قوتها في ظل اختفاء المشروع العربي في المنطقة، وظهور الشوائب والنتوءات والخزعبلات الطائفية.. ليجد الانتهازيون فرصتهم فيتوشحوا بعباءة الدين والمذهبية، ويرتدونها في عملية خداع كبيرة للشعوب، تم خلالها تقديم الطائفية بوصفها طوق النجاة والمغيث لبعض الأوساط الاجتماعية من أوضاعها.. والحقيقة أنهم مجرد متسلقين على رقاب الجهلة والمغيبين، ليصبحوا أصحاب الصوت العالي، فيسرقوا ويذبحوا وطنهم من الوريد إلى الوريد، وذلك على مرأى ومسمع من العالم كله، إذ أتوا إلى السلطة عبر صناديق الديمقراطية العرجاء المزيفة المفصلة على مقاسهم، ومنذ ذلك الوقت وهم يتمسكون بعرى المذهبية المهترئة التي تهدم الأوطان وتمزقها، وتشجع المشعوذين والخونة على الوصول إلى غاياتهم الهدامة، فينخرون جسم وطنهم، ويهدمون بُناه الراسخة لصالح مآربهم ونواياهم، التي أوصلت بلدانهم إلى قاع الحضيض.
لكن بعد عدة سنوات، من التهجير والتشريد والسجون والاعتقال والتهميش والفقر والجوع والأمية والقتل على الهوية والدمار والسرقة والنهب وتمزيق الهوية الوطنية وتفتيتها.. ظهرت في هذه الدول أصوات جديدة متحمسة من الشباب الواعد والواعي المتحرر من القيود، رغم تحدره اجتماعياً من جميع طوائف المجتمع وفئاته ومذاهبه، ليرفع صوت الحق عالياً خفاقاً، ويتغنى باسم وحدة الأوطان واستقلالها وحريتها وسيادتها والتخلص من الطائفية والمذهبية والعنصرية، لقد صدحت أصواتهم في لبنان والعراق منادياً بوحدة الأوطان وكرامتها وعزها وكبريائها، مطالبين الحكومات الطائفية بالرحيل والمغادرة من حيث أتت، وقد أتت في إطار نظام المحاصصة الطائفية والمذهبية، وليس انطلاقاً من الولاء للوطن وأهداف الشعب الذي هو مصدر القوة والشرعية.
وقد دُهشَ العالم العربي، وهو يرى حماس ونبوغ هذه الأصوات الشبابية الحرة، التي لا تتبع لمنظومة سياسية ولا لراية طائفية أو أيديولوجية أو أجندة معينة تقود مظاهراته.. وإنما أصبح الشباب الحر والمستقل هو من يقود الشارع في كل من العراق ولبنان.
وبفضل الشباب الحر والمستقل والواعي، تراجع الصوت الطائفي المشبوه، وخفتت المذهبية المتلفعة بالظلام، وانكمشت الأصوات النشاز للوصوليين والانتهازيين الذين عاثوا في بعض العواصم العربية فساداً ونهباً، حتى امتلأت البنوك الخارجية من أموالهم، فتجمعت في شوارع مدنهم قمامات النفايات من هول وحجم جشعهم وانعدام حس المسؤولية لديهم.. حتى يستمروا في العبث والتخريب. لكن الشباب العربي وقف لهم بالمرصاد، ليقول لهم: ارحلوا حالاً بلا رجعة!

*كاتب سعودي