نحتفل اليوم في دولة الإمارات العربية المتحدة بمناسبة يوم العلَم، هذا التقليد السنوي الذي أصبح من المناسبات التي نعتز بها، لأنها تمثل فرصة لكل مواطن إماراتي لإظهار مشاعر الولاء والوفاء للوطن ورايته الشامخة. وفي مثل هذه المواقف والمناسبات الوطنية الاستثنائية، يتراكم رصيد كبير من الذكريات، وخاصة لدى الآباء وكبار السن، فهذا الجيل يعرف الكثير عن ماضي الإمارات وعن الكفاح الذي بذله الأجداد الذين أسهموا في الحفاظ على هوية مجتمعنا وعناصر تكوينها، كما نلمسها في الشخصية الإماراتية في وقتنا الحالي، سواء من حيث المفردات الشعبية والأزياء أو الأمثال والسلوك الإيجابي اليومي والعادات والتقاليد الأصيلة، وكل ما يندرج ضمن مكونات الهوية الوطنية، القائمة كذلك على قيم حضارية تحث على القبول بالآخر والتعايش معه والتسامح تجاهه، وعدم التمييز بين الناس على أساس الدين أو المذهب أو الجنسية.
نعود إلى الاحتفاء بيوم العلَم، هذه المبادرة الوطنية التي يعود الفضل في إطلاقها منذ عام 2013 لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي. وعندما نحتفل بيوم العلَم، فنحن نرفع الراية التي توحدنا في ظلها، وترمز للكيان الإماراتي الذي يعتبر امتداداً لعلاقة كل إماراتي بهذه الأرض الطيبة، حيث التلاحم والتآزر كان ولا يزال من سمات الشخصية الإماراتية، بما لا يتعارض مع مبادئ التسامح والتعايش مع الثقافات الأخرى.
وهنا يمكن الحديث عن المعادلة الصعبة التي نجحت الإمارات في ترسيخها، لأنها قائمة على أساس فطري يتمثل في السلوك وفي التشريعات المتقدمة في هذا الجانب، ما ساعد على تحقيق التوازن بين الانفتاح الاقتصادي والثقافي والإنساني على العالم، وبين الحفاظ على هوية محلية ذات ملامح متميزة في إطار المحيط الخليجي والعربي.
إن العلَم الوطني يمثل رمزاً وطنياً جامعاً ومعبراً عن هوية اتحادية، وعندما نحتفل برمزية العلَم ودلالة رفعه، لابد أن نتذكر القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لأنه أدرك بذكائه وحكمته عوامل اتحاد الإماراتيين الكامنة في تعاملهم وسلوكهم الشخصي وطبيعة التلاحم بينهم، فجاء إعلان قيام الدولة ورفع علمها تتويجاً لحقيقة أن البيت الإماراتي متوحد وأنه يمتلك من خلال صبر وكفاح الآباء وجهود الأبناء مفاتيح النهوض في المستقبل.
ومع حلول كل مناسبة وطنية تبث الحماس في النفوس، نتذكر شهداء الإمارات الأبطال، وخاصة أن الاحتفال بيوم العَلم مناسبة نجدد فيها الاعتزاز بتضحياتهم، وأيضاً للإشادة بدور جنودنا الشجعان في مواجهة التحديات في اليمن و تحرير عدن وما جاورها من الانقلابيين الحوثيين، وتكثفت المهام بعد تحرير المدينة، وتحملت القوة الإماراتية مسؤولية محاربة التنظيمات الإرهابية التي حاولت استغلال الفراغ الأمني في المناطق المحررة، وتحققت بالفعل انتصارات كبيرة في هذا الجانب. ثم تحملت الإمارات مسؤولية القيام بعبء تدريب وتأهيل قوات يمنية لحماية المناطق المحررة ومنع تسلل خلايا الإرهاب إليها.
ومع كل احتفال جديد بيوم العلم، يتعزز الشعور الوطني، وتكون لهذه المناسبة فضاءات متجددة، كما نلمس حجم التفاعل من خلال زيادة وتيرة رفع العلم واحتفاء الصغار والكبار براية الوطن ورفعها في كل مكان.
إن الحفاظ على الهوية المحلية في عالم اليوم أصبح مسألة حيوية، تضاف إلى القضايا التي تشغل بال الكثير من المفكرين. وهناك الكثير من الدول والشعوب التي تندثر هوياتها وتدفع ضريبة كبيرة مقابل الانفتاح، بينما تتمسك الإمارات بهويتها ولا تجد في ذلك تعارضاً مع انفتاحها على العالم في كافة المجالات والأنشطة. ويأتي التمسك بإحياء يوم العلم في الإمارات تتويجاً لجهود متجانسة ومنظومة متكاملة، تهدف لحماية الهوية وغرس الولاء الوطني.

*كاتب إماراتي