المتوحشون بشكل غير إنساني غالباً ما يكونون جبناء رعاديد عندما تحين لحظة الحقيقة، لسبب بسيط هو أنهم بلا دينٍ يردعهم، وبلا أخلاق كرامٍ تهذب سلوكهم، وهكذا كان هلاك أبي بكر البغدادي، قائد تنظيم «داعش» وخليفته المزعوم.
كما صرّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فبمجرد إحساس البغدادي بوصول القوات الأميركية إلى مخبأه، فقد هرب وهو يصرخ ويبكي مثل النساء، ويولول ويحتمي بأطفاله الأبرياء حتى قتلهم معه وقضى عليهم بحزامه المفخخ، وهكذا يموت الجبناء المتجبرون في الأرض.
مستوى البشاعة والتوحش الذي أوصل له البغدادي التنظيمات الإرهابية كان غير مسبوق قبله، من ذبح ونحر إلى إحراق الناس أحياءً إلى سبي النساء الأزيديات البريئات، إلى جرائم لا تعد ولا تحصى بحق المواطنين العراقيين والسوريين والليبيين والمصريين، وقد أعاد المنطقة والعالم إلى عصور التخلف والظلام في تاريخ البشرية.
الإرهاب لا ينتهي بمقتل قادته، وهذا ما يعلمنا إياه التاريخ الحديث، فلا مقتل حسن البنا ولا سيد قطب قضى على جماعة «الإخوان»، ولا مقتل أسامة بن لادن قضى على تنظيم «القاعدة»، ولا مقتل ابنه حمزة من بعده، ولا مقتل البغدادي سيقضي على تنظيم «داعش»، فالأهم في محاربة الإرهاب هو القضاء على الفكر والأيديولوجيا والتنظيم والتمويل، قبل القضاء على الأشخاص.
جماعات الإسلام السياسي بشكلها الحديث كانت وبالاً على الإسلام والمسلمين، ووبالاً على العالم بأسره، فهذا التوحش الذي يتخذ الإسلام غطاء لغرض الاستيلاء على السلطة، هو أحد أبشع تجليات خطابات الإسلام السياسي، التي شوّهت الإسلام، وجعلت المسلمين محل شبهةٍ واتهامٍ في العالم أجمع.
كانت دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، قائدةً ورائدةً في محاربة الإرهاب، وتصنيف جماعاته وقياداته وتنظيماته ورموزه على قوائم الإرهاب، وتجفيف منابع تمويله، والدخول في حربٍ مباشرة ضده في الداخل أو في مناطق الصراع، مثل المشاركة الفاعلة للبلدين في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم «داعش»، وهو خيارٌ واعٍ بأهمية القضاء على الإرهاب بعكس بعض الدول التي اختارت دعم الإرهاب والإسلام السياسي في المنطقة والعالم.
قُتل البغدادي على مقربةٍ شديدة من الحدود التركية، ما يعني إحساسه بالأمان تحت عين الجيش التركي، مثلما كان يشعر ابن لادن في باكستان، وكان يسعى لإرسال عائلته إلى تركيا، حيث يأمن عليهم تحت حماية تركيا الأردوغانية «الإخوانية»، وبخاصة أن تركيا استفادت كثيراً من نفط «داعش»، الذي كان يتم تصديره عن طريق تركيا.
تركيا هي الداعم والمستفيد الأكبر من تنظيم «داعش»، في أوج توحشه وعنفوانه بصفقاتٍ مليارية، مشوبةٍ بفسادٍ عريضٍ في المؤسسات التركية، ومن هنا جاءت تأكيدات المسؤولين الأميركيين بعد نجاح العملية مباشرة بأن تركيا لا تعلم شيئاً عن العملية، وربما لو كان لديها علمٌ لما تحقق الهدف من العملية العسكرية الأميركية المحكمة.
لم يزل الأكراد حلفاء مؤتمنين في محاربة الإرهاب، في القضاء على التنظيم في سوريا كما في قتل البغدادي، وعلى الرغم من الخذلان الذي يشعرون به تجاه أميركا، إلا أن ذلك لم يثنيهم لحظة عن المشاركة في أي عملٍ يقضي على الإرهاب، حتى والجيش التركي يحاربهم بكل الأسلحة المحرمة دولياً.
المستعجلون فقط هم من يحسبون في مثل هذه اللحظات أن الإرهاب قد انتهى، وتم القضاء عليه كلياً، بينما الحقائق التاريخية وطبيعة المجتمعات تشير إلى أن المعركة مع الأصولية والإرهاب معركة طويلة يجب أن تستمر في المستقبل لعقودٍ، يتم فيها ضمان عدم عودة هذا التوحش والبشاعة إلى المنطقة والعالم من جديد.
أخيراً، مات البغدادي جباناً رعديداً، بعدما نشر الجرائم والقبائح، وحرض الابن على قتل أمه، والأخ على قتل أخيه، فلا ديناً اتبع ولا مروءةً حفظ.
*كاتب سعودي