على مدار قرون، كانت بريطانيا العظمى مهد الثورة الصناعية واحتضنت الديمقراطية النيابية. وسيطرت على البحار وأنتجت القانون العام. واحتضنت أول حركة لمكافحة العبودية وتصدت لهتلر. والآن، أصبحت بريطانيا حمقاء. وإذا كان لنا أن نعيد صياغة كلمات تشرشل، فإذا كان لأمة أن تستمر ألف عام، فقد ينظر الناس إلى الماضي ويقولون: هذه كانت أكثر ساعاتهم حزناً. والواقع، لا أهمية لهذا، لأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) قد يتسبب في تفكيك المملكة المتحدة، ومن ثم فقد لا تستمر البلاد لأكثر من عقد، ناهيكم عن ألف عام.

والمملكة المتحدة تسير نحو إجراء انتخابات في 12 ديسمبر المقبل، في وقت يتزعم فيه حزبيها الكبيرين أشخاص لا يحظون بثقة تقربهم من مقر الحكومة. والأكثر خطورة هو احتمال أن يستطيع رئيس الوزراء بوريس جونسون، في نهاية المطاف، أن يخرج ببريطانيا المنهكة من الاتحاد الأوروبي. ومما يحير أصدقاء بريطانيا أن يروا جونسون يتقدم في استطلاعات الرأي، في الوقت الذي يتبع فيه بتهور نهجاً اقتصادياً مدمراً لبلاده ويغامر بتفكيكها. ومن يكنون مشاعر دافئة منا للمملكة المتحدة - تجاه شكسبير وشاي بعد الظهيرة وفرقة البيتلز وسلسلة روايات المشاهير الخمسة - يشعرون كما لو أنهم يشاهدون صديقاً عزيزاً يشرب جرعات من المرارة ويتجه نحو حافة هاوية.

ويتفق اقتصاديون، إلى حد كبير، على أن بريكست سيضر بالتجارة والإنتاج المحلي الإجمالي. وتقدر دراسة أن بريطانيا ربما أصبحت بالفعل أفقر بنسبة 3% وهذا ببساطة بسبب التخطيط لبريكست. وتشير دراسة أخرى إلى تراجع على المدى الطويل بنسبة 3.5% وهناك تقدير آخر يشير إلى انخفاض بنسبة 6% في المدى المتوسط. وأشارت مجلة ذي إيكونوميست إلى خطة جونسون لبريكست بأنها أسوأ لاقتصاد المملكة المتحدة من خطة سابقته تريزا ماي. وخطة جونسون لبريكست ستجعل أيرلندا الشمالية أكثر اندماجاً مع أيرلندا عن اندماجها مع باقي بريطانيا. وبعد أن يصبح الدين أقل أهمية على كلا جانبي الحدود، ستتصاعد الضغوط من أجل توحيد أيرلندا. وتوصل استطلاع رأي في الآونة الأخيرة إلى أن أغلبية صغيرة في أيرلندا الشمالية تؤيد الانفصال عن المملكة المتحدة والاتحاد مع أيرلندا. رغم أن السبب قد يأتي من خوف أيرلندا من تحمل عبء اقتصاد أيرلندا الشمالية الأضعف.
وكتب «جوناثان باول» كبير موظفي مكتب رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير في صحيفة «فاينانشيال تايمز» يقول: «المعضل في الأمر أن السيد جونسون وبريكست ربما فعلاً لأيرلندا موحدة أكثر مما فعل الجيش الجمهوري الأيرلندي على الإطلاق». وحذر باول من أن خطة جونسون قد «تمثل نهاية الاتحاد وتترك حكومة إنجلترية صغيرة تحكم إنجلترا صغيرة».
وفي اسكتلندا أيضاً، يوضح استطلاع رأي أن هناك أكثرية الآن تؤيد الاستقلال، وهناك دعوات بالفعل لاستفتاء جديد للبت في هذه المسألة. وصرحت «نيكولا ستارجن» رئيسة وزراء اسكتلندا أن «أفضل مستقبل لاسكتلندا هو دولة مستقلة أوروبية على قدم المساواة. هذا خيار اعتزم على ضمان تقديمه للشعب الاسكتلندي». والبراجماتية ربما تمنع الاسكتلنديين في نهاية المطاف، لأن اسكتلندا من المفترض أنها ستكون حينها خارج الاتحاد الأوروبي، وستجد نفسها تقيم حدوداً مع إنجلترا أيضاً. والأمر أبعد ما يكون عن الوضوح عن مدى ترحيب الاتحاد الأوروبي بعودة اسكتلندا، مخافة أن يشجع هذا الانفصاليين في مناطق أخرى مثل كتالونيا. وحتى «ويلز» تبدو وقد أصابها الضجر. فقد توصل مسح إلى أن 41% من الناس في ويلز يفضلون الانفصال إذا استطاعوا البقاء في الاتحاد الأوروبي.
وتفكك بريطانيا العظمى لن يكون عظيماً في نهاية المطاف، وربما لن يتبقى إلا إنجلترا. والاتحاد الهائل الذي استمر مئات السنين والذي امتد من جزر أركاني إلى مقاطعة كورنوال، ومن بلفاست إلى بلدة ليان فيربولجوينجيل، قد يتمزق بفعل الغوغائية السياسية.

العاصمة لندن تمثل تجلياً لنظرية عظماء الرجال في التاريخ. فالتماثيل وأسماء الشوارع والنصب تؤكد على الطريقة التي غير بها الزعماء التاريخ. لقد غيروا فعلاً التاريخ، وإذا تمزقت المملكة المتحدة واستمر اقتصاد بريطانيا في التقلص، فهذا سيكون بسبب حملة طائشة يشنها جونسون وداعموه. وسيجري تذكره ربما باعتباره نسخة القرن الحادي والعشرين من «جاي فوكس» الذي شارك في مؤامرة لنسف مجلس اللوردات في لندن مطلع القرن السابع عشر. وهذه الانتخابات تعكس حسابات دنيئة. فجونسون يأمل أن يفوز بأغلبية والحزب «القومي الاسكتلندي» يريد إجراء الاقتراع قبل أن يفقد الثقة فيه بسبب محاكمة بشأن اعتداء جنسي وقع العام الماضي متورط فيه زعيمه السابق. وإذا لم يفز حزب بأغلبية، فمن الممكن أن نعود من حيث بدأنا، أو أن يشكل حزب «العمال» حكومة مع «الديمقراطيين الأحرار» ويجري استفتاء آخر على بريكست وهذا ما يحدوني أمل فيه.

إن أحد أسلافي البريطانيين، رالف المدمر، وهو قرصان من بلدة هنمانبي في يوركشير، وضع أضواء على الساحل، كي يخدع السفن، حتى تتحطم على الصخور. واُعتقل في نهاية المطاف وحكم عليه بالشنق. وحين وقف على منصة المشنقة، حيث كانت الأنشوطة جاهزة لتنفيذ الحكم، جاء رسول بقرار العفو. ولولا هذا لما كنت أنا موجود الآن. ولذا أعلم أن البريطانيين قادرون على تغيير مشاعرهم ونحن أصدقاء إنجلترا نأمل في تغيير آخر، حتى تظل بريطانيا عظمى.
*صحفي أميركي حاصل على جائزتي بوليتزر.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/11/01/opinion/sunday/brexit-united-kingdom.html