أعلنت وكالة الفضاء الأوروبية مؤخراً، عن انتهاء الاختبارات والتجارب على مركبة فضائية، تعرف باسم مسبار الشمس (Solar Orbiter)، لتبدأ رحلتها إلى قاعدة «كايب كانيفرال» بالولايات المتحدة، استعدادا لانطلاقها بداية شهر فبراير القادم نحو مدارها حول كوكب عطارد، على مسافة 43 مليون كيلومتر من نجم المجموعة الشمسية، أي الشمس.
وحال استقرار المسبار في مداره، سيوجه تيلسكوبه بما يحتويه من كاميرات عالية الدقة والوضوح باتجاه الشمس، ليحصل الجنس البشري من خلالها على صور وبيانات غير مسبوقة لسطح هذا النجم الملتهب، الذي لا غنى عنه لاستمرار الحياة على كوكبنا الأزرق.
وكانت فكرة هذا المسبار قد ولدت في تسعينيات القرن الماضي، وتم ترسية عقد تصنيعه عام 2012، ليستغرق تصنيعه وتجربته قرابة السبع سنوات، وبتكلفة تزيد عن 1.5 مليار جنيه إسترليني (أكثر من 7 مليارات درهم)، بهدف فهم ودراسة نجم الشمس، وبالتحديد العوامل التي تؤثر في نشاطها. فعلى عكس الاعتقاد الشائع، لا تتمتع الشمس بمستوى ثابت من النشاط، بل ترتفع وتنخفض درجة نشاطها في دورات متكررة، تستغرق الواحدة منها 11 عاماً. ورغم أن هذه الحقيقة في حد ذاتها مثيرة على صعيد الفضول العلمي، إلا أن لها أيضاً تبعات عملية وتأثيرات حقيقية للحياة على الأرض، وخصوصاً على نشاطات إنسان العصر الحالي. فدورات النشاط تلك، وما يصاحبها أحياناً من «انفجارات طاقة»، يمكنها أن تدمر وتتلف الأقمار الصناعية، وأن تؤذي رواد الفضاء، وأن تعيق موجات الراديو، وربما حتى أن تتسبب في انهيار شبكات الطاقة الكهربائية الأرضية.
ولذا يأمل العلماء، أن المعلومات والبيانات التي سيتم جمعها من خلال هذا المسبار، وما سيتبعها من فهم أكبر وإدراك أعمق لنشاط الشمس وللانفجارات الهائلة التي تحدث داخلها وعلى سطحها من حين لآخر، في تمكين إنسان العصر الحديث من توقع تلك الانفجارات، واتخاذ التدابير والاحتياطات التي تقي من توابعها السلبية، مثل وقف نشاطات الأقمار الصناعية، أو منع رواد الفضاء من الخروج من المحطة الفضائية في الأيام المتوقع حدوث عاصفة شمسية فيها.
والمقصود بالعاصفة الشمسية (Solar Storm)، هي تلك الأوقات التي تتعرض فيها الشمس لاضطرابات داخلية شديدة تصل إلى السطح الخارجي، تتدفق تأثيراتها عبر النظام الشمسي برمته، بما في ذلك كوكب الأرض، مؤثرة على مجاله المغناطيسي، ومتسببة في الظاهرة المعروفة بالمناخ الفضائي (Space Climate)، بما في ذلك الرياح الشمسية والمجالات المغناطيسية بين الكواكب.
والشمس في حقيقتها هي نجم، من بين مليارات مليارات النجوم التي تملأ هذا الكون، وإنْ كانت تعتبر من النجوم متوسطة الحجم. حيث يبلغ قطرها 1.39 مليون كيلومتر، أو 109 أضعاف قطر كوكب الأرض، بينما تبلغ كتلتها 330 ألف ضعف كتلة الأرض، وبذلك نجد أنها تشكل 99.86 في المئة من إجمالي كتلة المجموعة الشمسية، بينما تشكل باقي كواكب المجموعة مجرد 0.14 في المئة فقط من الكتلة الإجمالية للمجموعة الشمسية. ويتكون ثلثا كتلة الشمس أي 73 في المئة من غاز الهيدروجين، بينما يشكل غاز الهليوم 25 في المئة، بالإضافة إلى كميات قليلة من عناصر أخرى، مثل الأوكسجين، والكربون، والحديد.
ويمكن النظر للشمس على أنها مفاعل نووي اندماجي، يتم فيه دمج 600 مليون طن من غازي الهيدروجين والهليوم، في الثانية الواحدة، ليتم بذلك تحويل 4 ملايين طن من المادة إلى طاقة، كل ثانية. ويحدث هذا الاندماج في مركز الشمس، ويقدر العلماء أنه يستغرق ما بين 10 آلاف إلى 170 ألف سنة كي تصل هذه الطاقة إلى السطح، في شكل ضوء وحرارة.
وتبلغ درجة حرارة سطح الشمس أكثر من 5500 درجة مئوية، وهو ما يشكل تحدياً هائلاً لمسبار الشمس المزمع إطلاقه في المستقبل القريب، فرغم أنه سيقبع على مسافة 43 مليون كيلومتراً من الشمس، إلا أن سطحه المواجه للشمس سيتعرض لدرجة حرارة تزيد عن 600 درجة مئوية، بينما سيتعرض السطح البعيد عن الشمس لدرجة حرارة أقل من 180 تحت الصفر. مثل هذه الظروف البيئية الحرارية شديدة القسوة، لم يتعرض لها جسم صنعه الإنسان من قبل. أضف إلى هذا أن هذا المسبار، بما يحتويه من تكنولوجيا معقدة، وأجهزة إلكترونية حساسة، وكاميرات عالية الوضوح، عليه أن يعمل على مدار الساعة، وأن يتواصل بشكل مستمر مع محطة التحكم الأرضية، وأن يرسل باستمرار صوراً دقيقة ودفقاً مستمراً من البيانات، في ظل ظروف غير مسبوقة، ينصهر فيها الحديد، وتتفتت تحت وطأتها الصخور.
*كاتب متخصص في الشؤون العلمية والطبية