التحليل السياسي هو تحليل لمصادر السلطة السياسية: التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، والإعلامية. وفي النظام الرئاسي تتمتع رئاسة الجمهورية بالأولوية على باقي السلطات. فكل تحليل بعيد عن التعامل المباشر مع السلطة لا يكون تحليلاً سياسياً. فالسياسة هي الحكومة والسلطة، والحكومة هي الرئاسة.. لذلك يتداخل التحليل الاجتماعي مع التحليل السياسي مع التحليل الديني. والدين هو بؤرة الثقافة وبنيتها الموروثة. فالثقافة هي الحبل السُّري الذي يربط بين الاجتماعي والسياسي والديني. أما الأخلاقي فهو تصور في التحليل، لأن الأخلاق تُرد إلى الاجتماع كما يرد الاجتماع إلى السياسة، والسياسة إلى الثقافة، والثقافة إلى الدين. وتشهد التجربة الغربية على ذلك. فقد بدأت بالإصلاح الديني في القرن الخامس عشر، والنهضة في السادس عشر، والعقلانية في السابع عشر، والاجتماعية في الثامن عشر. ثم حدثت الثورة الفرنسية قبل أن يتحول الاجتماع إلى علم في القرن التاسع عشر. فالظواهر الإنسانية متداخلة بين الاجتماع والسياسة والثقافة والدين، وما بينها الأخلاق والاقتصاد. لذلك ظهر علم الاجتماع السياسي، وعلم الاجتماع الثقافي، وعلم الاجتماع الديني. ويبدو أن علم الاجتماع هو الأرضية المشتركة بين العلوم الإنسانية. وإذا كان موضوعها واحداً، وهو الإنسان، فإن مناهجها متعددة طبقاً لكل علم ومجاله. ومع ذلك، تتعاون المناهج فيما بينها للكشف عن الجوانب المختلفة للظاهرة الإنسانية، مثل علم النفس الاجتماعي، وعلم النفس السياسي، والأنتروبولوجيا الثقافية.
إن التحليل الاجتماعي هو تحليل سياسي، لأن الظواهر الاجتماعية، اجتماعية في الظاهر لكنها ظواهر سياسية في العمق. الفقر مثلاً ظاهرة اجتماعية، لكنها عند التحليل تصبح ظاهرة سياسية تتعلق بتوزيع الدخل القومي، والاقتصاد الحر، وحركة رأس المال في المجتمع، وما تتبناه الحكومة من سياسات اقتصادية واجتماعية. ولا يوجد حل جذري للمشكلات الاجتماعية، لكن كل دولة تختار نمط نظامها العام، رأسمالياً كان أم اشتراكياً. ورغم التقدم الاجتماعي والاقتصادي الهائل الذي تحقق في كثير من الدول، فما تزال هناك ظواهر مثل التسول في الطرقات وعلى الأرصفة وفي القطارات وعلى أبواب المساجد.
وأطفال الشوارع ظاهرة اجتماعية في كثير من البلدان. فهم أطفال هربوا من أُسرهم أو من المدارس، وأصبحوا أيتاماً لا يعولهم أحد، يمسحون زجاج العربات لدى توقفها عند الإشارات الحمراء، أو ينامون على الأرصفة. إنها ظاهرة اجتماعية تزداد في ظل غياب سياسة ترعاهم وتجمعهم في الملاجئ والإصلاحيات. والتعليم لا يقوم بدوره من أول مرحلة إلى آخر المراحل بسبب هروب التلاميذ من المدارس، وتغيب المدرسين من أجل إعطاء الدروس الخصوصية أو بيع الكتب المدرسية.
وهناك عشرات الرسائل الجامعية والدراسات الاجتماعية حول الهجرة، وهي ظاهرة اجتماعية في الظاهر، لكنها أعمق من ذلك، فالبطالة وانعدام فرص العمل أمام خريجي الجامعات والحاصلين على المؤهلات العليا، تدفع كثيرين منهم للهجرة. وإذا استحالت الهجرة إلى الشرق، حيث فرص العمل والكسب، أو الهجرة إلى الشمال حيث فرص الحياة على الرغم من مخاطر الغرق أو الترحيل، تتم الهجرة إلى الداخل، داخل النفس والاندراج في أحضان التصوف والطرق الصوفية. وقد تكون الهجرة في الداخل والخارج معاً بالانضمام إلى إحدى الجماعات الدينية المتطرفة.
والفساد ظاهرة اجتماعية عامة، والتحرش ظاهرة اجتماعية بين الشباب، شباب لا يجد أمامه إلا المرأة في الطريق العام أو بجواره في المواصلات العامة أو في المكتب الحكومي أو في المدرج الجامعي. وكذلك أحداث القتل المتكررة فهي أيضاً ظاهرة اجتماعية، إذ قد يتجسد العداء للمجتمع في العداء لشخص (قريب أو بعيد)، طالما أن القاتل لا يقوى على المجتمع.
ولا حل للمشاكل الاجتماعية إلا بعد نزع جذورها العامة، ولا نزع لجذورها العامة إلا بتفكيك بنيتها الثقافية، وإعادة بنائها من جديد طبقاً لاحتياجات العصر وضروراته.

*أستاذ الفلسفة -جامعة القاهرة