حصل مشروع خطط أنابيب الغاز الطبيعي الروسي «نورد ستريم2» على التصريح الأخير الذي كان يحتاجه ليربط بين منطقة لينينجراد وساحل البلطيق في ألمانيا. ومن المرجح الآن أنه قد فات الأوان الذي كان بوسع الولايات المتحدة فيه منع روسيا من إكمال المشروع بحلول نهاية العام الجاري.
و«نورد ستريم2» هو جزء من خطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنقل الغاز الروسي الطبيعي إلى أوروبا، دون الحاجة إلى المرور بأوكرانيا. وخط الأنابيب الجديد سيكون بوسعه نقل 55 مليار متر مكب من الغاز الطبيعي، أي أكثر مما تضخه روسيا حالياً عبر نظامها الأوكراني، وقد يعني أيضاً لأوكرانيا خسارة ثلاثة مليارات دولار في صورة عائدات على نقل الغاز. وقد أرادت الولايات المتحدة إفشال المشروع ومنع الغاز الروسي الرخيص نسبياً من منافسة صادرات الغاز الطبيعي الأميركي المسال إلى أوروبا. وهاجم الرئيس ترامب إفراط ألمانيا في اعتمادها على الغاز الروسي، وهدد مراراً بفرض عقوبات على الشركات الأوروبية المشاركة في المشروع.
وفي هذه الأثناء، سارعت روسيا بمد الأنابيب. وفي الأول من أكتوبر المنصرم، أعلنت شركة «غازبروم»، عملاق تصدير الغاز الروسي، استكمال 83% من البناء مع مد 2042 كيلومتراً عبر قاع بحر البلطيق. لكن كانت هناك عقبة تمثلت في امتناع الدنمارك لمدة عامين عن منح تصريح للقطاع الذي يمر عبر مياهها الإقليمية. ويوم الاثنين الماضي، منحت الدنمارك أخيراً ذلك التصريح، مما سمح لخط الأنابيب أن يقطع أقصر طريق ممكن. وذكرت «غازبروم» أن هذا القطاع يمكن الانتهاء منه في خمسة أسابيع.
إنها ضربة لأوكرانيا، لكنها ليست مفاجأة. ففي تدوينة على فيسبوك، أعلن اندريا كوبولييف (كبير المديرين التنفيذيين لشركة «نافتوغاز» المملوكة للدولة التي تدير نظام خط الأنابيب) قائلاً: «توقعنا حدوث هذا في الخريف. فقد أدى موقف الدنمارك المبدئي إلى عرقلة المشروع لبعض الوقت، لكن الأسلحة الجيوسياسية لا يمكن وقفها بالوسائل التي تنظم علاقات التجارة الخالصة». ولم يكن بمستطاع الدنمارك الصمود إلى الأبد، في وقت ترددت فيه الولايات المتحدة. والسجال الأخير بشأن اهتمام ترامب بشراء جرينلاند، لم يشجع الحكومة الدنماركية على الاستمرار في التأجيل.
وتخوّف كوبولييف من فرض عقوبات غربية كخطوة تالية، وهو ما سعى بعض المشرعين الأميركيين إلى فرضه بالفعل. فقد وعد السيناتور الجمهوري تيد كروز بالضغط على زملائه كي يقروا مشروع القانون الذي تقدم به مع السيناتورة الديمقراطية جين شاهين، يفرض عقوبات على الناقلات التي تشارك في مد خط الأنابيب. لكن مشروع القانون لن يؤجل على الأرجح البناء كثيراً. ورغم أن «غازبروم» استخدمت مقاولاً مقره السويد، وهو شركة «أولسيز جروب» لمد خط الأنابيب، فبوسعها استخدام ناقلاتها «أكاديميك تشيرسكي» في بناء المرحلة النهائية.
ولذا فات أوان التصرف الأميركي. والعقوبات ضد تمويل خط الأنابيب كان يمكن أن تكون فاعلة في المرحلة السابقة التي قدمت الدعم فيها شركات أوروبية مثل «رويال داتش شل» و«انجي» و«يونيبر» و«أو. إم. في.» و«وينترشال». وكان من الممكن أن يؤثر فرض عقوبات على مركبات مد الأنابيب قبل بدء أعمال البناء. وعلى كل حال، كان من شأن هذا أن يوفر لأوكرانيا المزيد من الوقت للتفاوض بشأن تعاقدها لنقل الغاز مع جازبروم الذي ينتهي بنهاية هذا العام.
واكتمال «نورد ستريم2»، سيساعد على الأقل ألمانيا في خططها لوقف استخدام الفحم لتوليد الطاقة بحلول عام 2038، وهي خطط ليس من الممكن أن تعتمد كلية على الطاقة المتجددة، أو على الأقل ليس قبل تحقيق مزيد من التقدم في تكنولوجيا تخزين الطاقة. وبالمناسبة، فإن معظم الفحم الذي سيجري الاستغناء عنه هو فحم روسي. والآن تريد أوكرانيا المدعومة من الاتحاد الأوروبي تعاقداً مدته عشر سنوات لضخ من 40 إلى 60 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي. لكن روسيا تصر على أن أي اتفاق طويل الأمد يجب أن يحسم دعاوى أوكرانيا القانونية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات ضد «غازبروم». وفي الوقت الحالي، من المرجح أن تكتفي باتفاق بديل قصير الأمد. وفي الوقت نفسه، ستواصل روسيا العمل على أن تبلغ كامل السعة التشغيلية لخط «نورد ستريم2» ومشروع خطط أنابيب «ترك ستريم» الذي يمر بتركيا ويستهدف نقل الغاز إلى جنوب أوروبا.

*كاتب روسي مقيم في برلين
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»