يحظى ملف استعادة الاستقرار في اليمن بأولوية دائمة لدى التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية مسنودةً بجهود عسكرية وإنسانية مستمرة تقدمها دولة الإمارات العربية المتحدة. وبعد سلسلة من الانتصارات العسكرية التي دحرت الانقلابيين الحوثيين، تم تحرير مساحات شاسعة من اليمن، لكن حمايتها وإعادة تأهيل مؤسساتها ودعم الشرعية فيها تطلبت جهوداً مضاعفة، لاسيما أن همجية الحوثيين دمرت الكثير من المؤسسات.
وعقب دحر الانقلابيين الحوثيين برزت الحاجة لدعم الحكومة الشرعية سياسياً لكي تقوم بدورها على الأرض. وذلك اقتضى لملمة الصفوف وتوحيد الجهود ووضع أسس تضمن التركيز على الانتقال إلى مرحلة ما بعد العمل العسكري في المحافظات المحررة.
وهناك تجارب سابقة في العديد من الدول التي شهدت انقلابات وحروباً أهلية، أثبتت أن استعادة الاستقرار في مثل هذه الظروف تتطلب جهوداً لا يستهان بها، وخاصة في جانب استعادة الثقة بين الأطراف السياسية المحلية، وتوحيد جهودها، وإعادة صياغة أهداف مشتركة يعمل الجميع من أجل تحقيقها.
وعلى ضوء ما سبق جاءت الخطوة الإيجابية الجديدة التي سوف تنعكس بشكل أفضل لصالح اليمن في قادم الأيام، ممثلة بتوقيع اتفاق الرياض بين الأطراف اليمنية الفاعلة في جبهة الشرعية المناهضة للانقلاب الحوثي. وهي الأطراف التي نعتقد أنها الممثلة لطموح اليمنيين في استعادة دولتهم وترسيخ أمن بلدهم. لأن الجهود المحلية في اليمن يجب أن تمتلك فاعلية وصلابة لمواجهة التحديات.
ويمكن القول إن بنود اتفاق الرياض وخطواته التنفيذية توفر أرضية سياسية صلبة للشرعية وأيضاً لجهود التحالف، بما يعزز من سلسلة الانتصارات العسكرية التي دحرت الانقلابيين الحوثيين من مساحات واسعة في اليمن. ومن المهم أن يعمل التحالف مع حكومة شرعية في اليمن، تكون قادرة على إسناد الجهود العسكرية بعمل تنموي وإدارة حكومية نشيطة تلبي احتياجات السكان وأمنهم.
وتأكيداً لأهمية اتفاق الرياض وما يمثله من أهمية في مسار إعادة الاستقرار إلى اليمن، دعمت الإمارات الاتفاق وساندته، انطلاقاً من إدراكها لأهمية التفاعلات السياسية المطلوبة لدعم الحكومة اليمنية الشرعية، إلى جانب أهمية حشد الطاقات التي تمكنها من أداء دورها في المناطق المحررة. وبالفعل لمس المتابعون مؤشرات أولية مباشرة لانعكاس اتفاق الرياض بشكل إيجابي على السكان، من خلال ارتفاع مستوى التفاؤل بانتعاش الاقتصاد والحفاظ على قيمة العملة اليمنية.
وبنظرة سريعة على انطباعات مختلف الأطراف، يلمس المتابع مدى الارتياح والتفاؤل الذي أعقب اتفاق الرياض. ولعل من أبرز إيجابياته أنه يتضمن ترتيبات لبدء مباشرة الحكومة الشرعية مهامها من العاصمة المؤقتة عدن، بما يسمح بتركيز الجهود العسكرية خلال الفترة القادمة لإنهاء سيطرة الحوثيين على بقية المناطق.
كما أن اتفاق الرياض يعيد الثقة بوحدة مصير اليمن وتحدياته المستقبلية، عبر إشراك القوى الفاعلة في تحمل مسؤولية ترسيخ الاستقرار والعمل بروح الفريق الواحد، بعيداً عن الحساسيات والمخاوف التي تخلقها ظروف عدم الاستقرار.
وخلال توقيع اتفاق الرياض تم التنويه بما قدمته دولة الإمارات من تضحيات وجهود. وهذا محور يشهد به الجميع، سواء داخل التحالف في مستوياته العسكرية الميدانية، أو داخل اليمن على المستوى الشعبي والأهلي.
ونعتبر أن من ثمار اتفاق الرياض أيضاً وما يتوقع منه، أنه يجعل الحكومة الشرعية تكتسب قدرات لملء الفراغ وحماية الأمن ومحاربة الإرهاب، ومنع تشكل أي بذور أو خلايا إرهابية في المحافظات التي تقع تحت سلطة الشرعية. لأن هذا الملف يتطلب اليقظة العالية، بالنظر لتجارب تشير إلى استغلال المجموعات الإرهابية للفراغ الأمني.
ولا ننسى أن الحملات الإعلامية ضد الإمارات خلال مرحلة ما قبل توقيع اتفاق الرياض، كانت توجه سهامها ضد الجهود الإماراتية في المحافظات المحررة التي قامت فيها الإمارات بجهود أساسية على مستوى تدريب قوات الأمن اليمنية وحماية المنشآت ومحاربة خلايا الإرهاب. لذلك فإن التعويل على اتفاق الرياض أن يهيئ الأطراف السياسية اليمنية لإنهاء الخلافات الجانبية فيما بينها، وصولاً إلى التركيز على هدف رئيسي يتمثل في استكمال جهود إنهاء سيطرة مليشيات الحوثي على بقية المحافظات اليمنية، بالتوازي مع إدارة المحافظات المحررة وحماية أمنها وتنميتها واستعادة سلطة الدولة وثقة المواطنين بها. وهذا ما نتمناه لليمن، ونعتبر أن اتفاق الرياض خطوة عملية جادة باتجاه تحقيقه.

*كاتب إماراتي