تتصاعد الأحداث في غزة، عقب اغتيال القيادي في حركة «الجهاد الإسلامي» في غزة بهاء أبو عطا، وابن القيادي في حركة «الجهاد» في دمشق أكرم العجوري، وفي الوقت نفسه تدير إسرائيل حملة سياسية ودبلوماسية لمتابعة ما تصفه عمليات إيواء وغسيل أموال وإمداد واتصال تديرها حماس في تركيا، وتتابع السلطات في تركيا باهتمام التقارير والاتصالات الإسرائيلية لئلا يتجاوز وجود ونشاط حماس في تركيا العمل السياسي والإعلامي، وذكرت تقارير إعلامية أن السلطات الأمنية التركية أبعدت من أراضيها الذين ذكرتهم السلطات الأمنية بالإسرائيلية بالاسم، ووصفتهم بأنهم على علاقة بالعمل العسكري لـ«حماس»، ويقيمون في الوقت نفسه في تركيا.
وربما يؤشر ما يجري إلى سياسة تركية للنأي عن الصراع الإسرائيلي مع قوى إقليمية أخرى والجماعات والحركات التي تعتبرها إسرائيل على علاقة بهذه القوى.
لكن تحليلات سياسية وإعلامية تقدر أن ما يجري في غزة هو حملة انتخابية لنتنياهو، إذ تتزايد احتمالات الذهاب إلى انتخابات نيابية إسرائيلية في مارس القادم، لكن وحتى في حال ترجيح التفسير بالحملة الانتخابية لنتنياهو، فإن الصراع بما هو عنوان السياسة الإسرائيلية يبدو قابلا للتصعيد تحت عنوان مواجهة التهديد الأمني والعسكري لحركة «الجهاد» المرتبطة بقوى إقليمية.
ويبدو أن «حماس» في غزة وفي الخارج تسعى إلى تجنب مواجهة عسكرية أو أمنية مع إسرائيل، وستكون المعركة بين إسرائيل وحركة «الجهاد» هكذا، فبعد أن أمكن عزل غزة عن الضفة في المعركة التي جرت في العام 2014، حتى إنها وصفت بالحرب الغزّية الإسرائيلية، يجري اليوم تقسيم غزة نفسها وعزل مكوناتها عن بعضها بعضاً. فالمنظمات الفلسطينية تمضي في محصلة نضالها إلى تسويات سياسية واقعية، وتمضي «حماس» على خطى «فتح» للمشاركة في الترتيبات الممكنة والتنسيق والبحث عن صداقات متقبلة مع الدول والمؤثرة في سياق التسوية السياسية، وبالطبع فإنه ليس خياراً جذاباً أو مثالياً، لكن حقيقة أن المواجهة والعمليات العسكرية تقود إلى مزيد من الفشل والهزائم والاستتباع والتناقض الإقليمي تجعل الخيارات قليلة ومليئة بالعيوب والسلبيات المصاحبة للمكتسبات والإيجابيات. والحال أن السياسة كما الحياة ليست خيارات حاسمة أو واضحة، لكنها عمليات ترجيح وموازنات معقدة وصعبة، كما أن الفروق بينها ليست كالفرق بين الأبيض والأسود!
هذه المقالة كتبت مساء أول أمس الثلاثاء، وربما تكون الأحداث والتفاعلات اليوم (الخميس) قد أخذت وجهة أخرى. وربما يكون قد أمكن تجنب المواجهة وتقليل المعاناة، إذ إن التصريحات الإسرائيلية حتى اللحظة تؤكد الرغبة بعدم خوض مواجهة عسكرية في غزة.
آخر ما يريده الغزيون والفلسطينيون هو الدخول في دوامة من القتل والعنف والمعاناة الاقتصادية والمعيشية، وهم (الفلسطينيون) اليوم الحلقة الأضعف والأكثر هشاشة في دوامة الصراع والعنف الإقليمي الدائر بلا رحمة ولا اعتبار لمصالح الشعوب وتطلعاتها إلى السلام والازدهار.
العالم اليوم، ويحب ألا يكون الشرق الأوسط استثناء من ذلك، يُعيد تعريف أعدائه وأصدقائه، بل ويعيد تعريف الذات والمعنى والوجود، وفي ذلك فإن العالم أغلبه يعتبر أعداءه هم الفقر والظلم والحرمان والتخلف والتهميش. وأما الأصدقاء فهم الازدهار والعدل والسلام والتعليم والصحة والتنمية الإنسانية والحياة الأفضل. وقد يستحق هذا السؤال (من العدو ومن الصديق؟) وقفات طويلة مستقلة، لكن من المؤكد أن الاستمرار في الحشد والتكوين السياسي باتجاه العداء مع دولة أو أمة يمضي أو بناء الهويات والتماسك الوطني والاجتماع وراء الحروب والصراعات مع الأمم والكراهية والشعور بالتميز والأفضلية والعظمة والمجد يتحول إلى جزء من الماضي، وربما تشعر الأمم في المستقبل القريب بالخجل من الحروب والقتل بل وتعتذر للأجيال عن أوهام وحماقة البطولة في الحروب، لم يعد الانتصار أو البطولة في القتل لكنهما في الازدهار والسلام، وتستطيع جميع الأمم حتى الضعيفة أن تؤثر في العالم، وأن تحصل بالتضامن العالمي والعمل السلمي على حقوق ومكاسب أفضل مما يمكن الحصول عليه بالحروب والصراعات.
*كاتب وباحث أردني