يُعرّف علم النفس الوقت القيم بأنه أفضل مواقيت أداء فعل بعينه ومرد ذلك أنه يأتي بأفضل النتائج عند نقطة زمنية بعينها... هل جاءت القمة الإماراتية المصرية الأيام الأخيرة في الوقت القيم المرتبط بأوضاع البلدين الشقيقين من جهة ومصائر وأقدار الإقليم المضطرب من ناحية أخرى؟
الشاهد أن الذين قدر لهم متابعة فعاليات زيارة السيسي إلى الإمارات والاستقبال الكبير الأخوي الذي لقيه من قيادة دولة الإمارات الشقيقة، قد وقر لديهم أننا أمام حالة شراكة استراتيجية في أعلى درجات يقظتها وانتباهها، لا سيما وأن الأخطار محدقة بالجميع في تلك البقعة من جغرافية الشرق الأوسط.
كثيراً جداً كتبنا عن عمق هذه العلاقة بين مصر والإمارات والدور التاريخي للأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في وضع لبنات قوية ومتينة لمسارات ومساقات المودات الإنسانية المتبادلة بين الجانبين.
والآن في واقع الأمر يجيء الوقت القيم الذي يُكمل فيه البلدان تلك المسيرة، وإنْ كانت قد انطلقت بالفعل في عام 2013 عندما قامت مصر بإزاحة جماعات الظلام التي تسللت في ليل بهيم إلى مقعد القيادة، وخرج الشعب المصري هاتفاً بسقوط حكم المرشد، وفي الوقت ذاته كانت الإمارات العربية المتحدة نعم السند والمعين لمصر المحروسة، أدبياً في عواصم العالم، ومادياً لانتشال مصر من وهدة من أرادوا لها الضياع على دروب «الأصوليات».
من دون تَزيدٍ تستمد هذه القمة أهميتها من أنها تجيئ في وقت يحتاج فيه البيت العربي إلى إعادة الترتيب بعد رياح قوية عصفت به قبل نحو عقد من الزمان، رياح مسمومة محملة بجراثيم التكلس الفكري والانسداد التاريخي، ما أدى إلى سقوط غالبية أعمدة الخيمة العربية ولم يقو على الصمود منها سوى ثلاثة أعمدة فقط مصر والإمارات والسعودية، وهي التي استطاعت بما لها من جذور وجسور مواجهة العواصف معا.
الكارثة لا الحادثة هي أن هناك الآن أجواء مشابهة لما حدث، ما يعني أن واضع الاستراتيجيات التخريبية وإنْ فشل في جولته الأولى، إلا أنه يعاود الكرّة مرة أخرى، فالاستراتيجيات الكبرى تبقى واضحة في عيون أصحابها، وإنْ تطلب الأمر الالتفاف حول التضاريس، لكن يبقى الهدف راسخاً من دون تغيير.
البيت العربي يتألم ويئن، ويكفي الناظر إلى العراق وسوريا ولبنان واليمين وليبيا، أن يخلص إلى الخطر الداهم الذي يحدق بالأمة العربية، لا سيما من قوى غير عربية تقع من سوء الطالع بالقرب جغرافيا وديموغرافيا من الإقليم.
جاءت القمة المصرية- الإماراتية في وقت يعاني فيه العالم من حالة سيولة جيواستراتيجية سوف تنعكس دونما أدنى شك على واقع حال ومآل الشرق الأوسط المحمل بالأثقال منذ زمان وزمانين، والمعنى والمبنى هنا أنه من دون تنسيق متبادل بين الأشفاء وتكثيف المشاورات في الحل والترحال، فإنه يمكن أن تضحى الهواجس مخاوف، غير أن الاتحاد يُقوي العزيمة والوحدة تشدد من القدرة على المجابهة.
عديدة هي التحديات المصيرية الإماراتية- المصرية وفي المقدمة منها القضاء على فيروس الإرهاب اللعين الذي بات طاعون القرن الحادي والعشرين بشبكاته التحتية وهرمياته العلوية، ومن يعتقد أننا قطعنا شوطاً في مواجهة الإرهاب المعولم فهو محق، ولكنها مواجهة لم تتعرض لبنية التنظيمات المتطرفة العابرة للحدود والقارات، الأمر الذي يضعنا أمام حقيقة لا مفر من الاعتراف بها، وهي أن هناك من يسخر تلك الجماعات كخناجر في خاصرة دول المنطقة، ومن هنا تصبح قضية التنسيق المشترك لضمان اندحار واندثار تلك الجماعات فرض عين على الحلفاء الاستراتيجيين من مصر إلى الإمارات.
يغرد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في نهاية نهار الزيارة التاريخية للرئيس المصري للإمارات بالإعلان عن منصة استثمارية بقيمة 20 مليار دولار لتنفيذ مشاريع حيوية في مجالات لها حدودها الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة للبلدين والشعبيين الشقيقين... ماذا يعني سموه بتلك الكلمات؟
باختصار مفيد إنه الإدراك الكلي بأهمية الشراكات السياسية التي تعززها وتديمها التبادلات التجارية، ولا نوفر القول إنها خطوات تنسيق استباقية لأعوام تعزز التعاون على كافة المجالات.. إنها قمة في الوقت القيم تعيد ضبط المسافات في المنطقة..
*كاتب مصري