كان حضوري للمؤتمر السنوي الـ 105 لجمعية الاتصالات الوطنية (National Communication Association)، والذي أقيم بمدينة بالتيمور في ولاية ماريلاند الأميركية من 13 نوفمبر إلى 17 نوفمبر، تحت عنوان: الاتصال من أجل البقاء (Communication for Survival)، فرصة كبيرة للتعرف إلى أوراق عدية مقدمة من قبل أساتذة جامعات في الولايات المتحدة الأميركية وخارجها خاصة من الهند والصين.
المؤتمر سلّط الضوء على دور الإعلام في كثير من المجالات الصحية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وأكثر ما لفت انتباهي ورقة قدمها جوناثان ماتوسيتز Jonathan Matusitz، أستاذ مشارك في كلية الاتصال والإعلام بـ«جامعة سنترال فلوريدا».
المميز في الأوراق التي قدمها الدكتور ماتوسيتز، ومعظمها مستمد من كتابه، «المجلات الجهادية الرقمية لتأسيس الخلافة» (Online Jihadist Magazines to Promote Caliphate)، أنها تحدثت عن وضع استراتيجيات لمكافحة الأيديولوجيات الموجودة في هذه المجلات الرقمية. «ماتوسيتز» تطرق أيضاً إلى الاستغلال العاطفي والنفسي الذي تقوم به هذه الجماعات المتطرفة لجذب الشباب والسيطرة على عقولهم.
لقد وضّح «ماتوسيتز» أن الدراسات المصممة لمكافحة التطرف تختلف عن معالجة التطرف، فالأخيرة تُعنى بعلاج الشخص المتطرف ليكون أكثر اعتدالًا في القضايا السياسية أو الاجتماعية، أما الأولى تشير إلى مكافحة التطرف من خلال المبادرات الاجتماعية المصممة لمنع الانخراط في العنف الراديكالي ووضع استراتيجيات تجابه تلك المعتقدات والمشاعر الراديكالية لاستهداف الذين لم ينخرطوا في العنف بعد. يفضل العديد من المحللين نهج مكافحة التطرف، لأنه يركز في الغالب على الوقاية من المخاطر وحماية الأفراد وخاصة الشباب من الوقوع في فخ هذه الجماعات المتطرفة.
هناك عدة دول ومنظمات صممت استراتيجيات لمكافحة التطرف من ضمنها الدراسة التي قام بها «معهد الشؤون الأوروبية»، والتي أشارت إلى أربعة حلول رئيسية أهمها حجب مواقع الجماعات المتطرفة. كذلك نفّذت الحكومة السعودية سلسلةً من الاستراتيجيات المضادة للتطرف الديني قبل حدوثه والتي قامت بها لجان دينية لإعادة تفسير الآيات التي كانت مفسرة، من التيارات المتطرفة، بطريقة خاطئة، من خلال محاضرات عامة في السجون وعلى شاشات التلفزيون وعبر الإنترنت بهدف إقناع الجماهير باعتناق أيديولوجية معتدلة. وفي سنغافورة، ومن أجل مكافحة انتشار الأيديولوجية المتطرفة، قام قادة ورجال الدين المسلمون بتحسين التوجيه الديني بالعديد من البرامج التابعة لـ«المجلس الديني الإسلامي»، وقد كان هذا بمثابة دليل لمساعدة الآباء والمعلمين المسلمين.
«ماتوسيتز» يرى أن جهود مكافحة التطرف التي ترعاها الحكومات اليوم لا يزال أمامها الكثير لمنع الإيديولوجيات المتطرفة من الانتشار عبر الإنترنت، وهذا يرجع إلى التضارب في الآراء، فبعض الحكومات تعتبر الرقابة وحجب المواقع المتطرفة وسيلة مهمة لمحاربة التطرف، بينما يعتقد البعض الآخر أن حجب المواقع الإلكترونية هو ليس فقط ضد حرية التعبير ولكنه أيضًا غير فعال.
وقد أشار أيضا «ماتوسيتز» إلى استراتيجيات مكافحة التطرف من خلال مواقع عدة، وكان أهمها الدعوة إلى التركيز على المستقبل وتفكيك ذلك الحنين إلى الماضي وتقديسه الذي تستغله الجماعات المتطرفة للعب على عواطف الناس ودفعهم لخدمة أجندتهم. أيضا أهمية عدم تسييس الإسلام فقد أكد أن الإسلام السياسي هو بوابة التطرف. كذلك شدد على أهمية تعاون الحكومات الغربية مع المسلمين المعتدلين ومن هم ضد أيديولوجيات الإسلام السياسي التي تستغل الدين لمصالح سياسية.
إن وضع استراتيجيات لمكافحة التطرف خصوصا مع استغلال الجماعات المتطرفة للتقنيات المختلفة ليس بالأمر السهل، ويحتاج إلى تعاون مكثف من جميع الجهات لمواجهة هذه الحرب الأيديولوجية.
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي